مجموع رسائل الحافظ العلائي
محقق
وائل محمد بكر زهران
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
مكان النشر
القاهرة - جمهورية مصر العربية
تصانيف
ومن التردد فيه أو الشك أو الإنكار استغني حينئذ عن مؤكدات الحكم؛ فإن كان متصورًا لطرفي الحكم مترددًا في إسناد أحدهما إلى الأخر حسن تقويته حينئذ بالمؤكد؛ فإن جاء بخلافه قوي التأكيد بحسب إنكاره وجمع حينئذ بين "إن" و"اللام" وشاهد هذه القاعدة في كلام العرب كثير لا ينحصر، ومنه في القرآن العظيم مواضع مشهورة منها قول الرسل ﵈ في قصة "يس": ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ (١) فردوا عليهم بقولهم: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ﴾ (٢) فأجابوهم ثانيًا بقولهم: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ (٣).
وقد أورد على هذه القاعدة قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ (٤) فأكد الموت الذي لا ينكر أحد وقوعه بـ "إن" و"اللام"، ولم يؤكد البعث إلا بـ "إن" فقط مع أنه ينكره كثيرون وخصوصًا في زمن النبوة؟
وأجيب بأن الخطاب في هذه الآية الظاهر للمعترفين بالبعث حال غفلتهم عن الموت وتشاغلهم عنه بأمور الدنيا؛ فكأنهم لغفلتهم عنه بمنزلة من لا يعرف به، فأكدت القضية بـ "إن" و"اللام"، وهذا يسمى إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، ثم لما ذكروا بالموت ذكروا البعث، وكانوا معترفين به فلم يحتج إلى تأكيده باللام.
فهذه ثلاثة من علم المعاني والبيان تتعلق بهذه الآية، وسيأتي إن شاء اللَّه تعالى في الوجه الذي بعد هذا ثلاثة منه أخرى.
الوجه الرابع: فيما يتعلق بمعاني بعض هذه الآية:
قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ قد تقدم أن الوسط يفسر على قولين:
أحدهما: العدل.
_________
(١) يس: الآية ١٤.
(٢) يس: الآية ١٥.
(٣) يس: الآية ١٦.
(٤) المؤمنون: الآية ١٥ - ١٦.
1 / 104