مجموع رسائل الحافظ العلائي
محقق
وائل محمد بكر زهران
الناشر
الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٩ هـ - ٢٠٠٨ م
مكان النشر
القاهرة - جمهورية مصر العربية
تصانيف
والثاني: الخيار.
والأظهر أنه العدل؛ لأنه السواء الذي لا يميل إلى طرفي الإفراط والتفريط، وهو أيضًا خيار بهذا الاعتبار؛ فامتن اللَّه تعالى على هذه الأمة بعد الهداية بأن جعلها أمة وسطا، ومن استقرى أحوال الدينية وجدها كذلك تتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وبيانه أن الأحوال التي كلف بها العبد إما اعتقادات أو أعمال، وهي في كلها كذلك.
أما الاعتقادات فنبين ذلك بأمثلة:
أحدها: التوحيد؛ فإن من الناس من عطل الإلهية تعطيلًا محضًا؛ ففرط، ومنهم من أثبت أكثر من الإله الواحد؛ فأفرط، والعدل التوسط، وهو إثبات الاله وتوحيده.
وثانيها:. . . (١)؛ لأن من الناس من بالغ في إثبات الإله الواحد حتى جعله جسمًا أو جوهرًا أو مركبًا أو مختصًّا بجهة أو محلًّا للحوادث؛ فشبهه بالموجودات الحادثة تعالى اللَّه عن ذلك.
ومنهم من نفى حتى لم يثبت إلا الوجود المحض، وعطل صفات الإلاهية.
وَالْعَدْلُ: التَّوَسُّطُ بإثبات الوجود وخواص الإلاهية ونفي ما يوجب النقص والحدوث من الجوهرية والتركيب ونحوها.
وَثَالِثُهَا: مذهبهم في الصفات الزائدة على الذات؛ فإن أهل السنة توسطوا بين طرفي التفريط بنفيها وتعطيلها، والإفراط بإثباتها متغيرة متنقلة حادثة.
وَرَابِعُهَا: قول أهل السنة أيضًا في مسألة خلق الأعمال؛ فإنهم توسطوا بين الجبر المحض والقَدَر المحض؛ فلم يسلبوا اختيار العبد وقدرته، ولم يجعلوه خالقًا لأفعاله مضاهيًا للَّه سبحانه في مقدوره.
وَخَامِسُهَا: قولهم في النبوات؛ فإنهم أثبتوها من عند اللَّه ﷿ باختصاصه من يشاء من البشر واصطفائه إياه؛ فتوسطوا بين قول من يعطلها ويحيلها، وقول من
_________
(١) قطع في الأصل.
1 / 105