المجموع المنصوري الجزء الثاني (القسم الأول)
تصانيف
وأما انفصال المعترض عما يلزم الفرقة المرتدة الشقية، الضالة الغوية، المسماة بالمطرفية، في عقوبتهم للناس بالشرط قبل الحلول؛ فهذا انفصال من لا يعرف العلم ولا حدوده، ولا أدلته، ولا شهوده، وهل المحظور يجيزه الإذن فيه قاتلهم الله أنى يؤفكون، فهل يعلم أهل المعرفة أن قول الإنسان لغيره: عاقبني إن فعلت كذا وكذا، ألا يجيز له أخذ ماله بالتزام هذا العقد، ومن المعلوم أن هذا الشرط لا يعمهم، وإن عمهم فالحكم فيه ما قلنا، ولأنه شرط في إلزام مجهول، ولو كان له نظير في الجواز لم يجز على هذه الصفة؛ لأنهم يطالبون بالضيفة وهي مجهولة، وكذلك المغارم لما ينوبهم في إثبات عشاش كفرهم التي سموها هجرا، وعقايب من يعاقبون أهون نوائبهم، وأصغر مصائبهم، ولو أن وجوههم كانت تندى عند مقابلة الأخيار، ما اعترضوا بهذا المقدار؛ لأن المعلوم من حالهم ضرورة لمن عاشرهم وخبرهم أن عشاش كفرهم فيها العقوبة، وفيها الحكم الشديد بالنفي من المنازل، وفيها هدم الدور، وفيها الإكراه على الضيفة بما لا يمكن إلا بشق الأنفس والدين، ومنها مغارم يجمعونها ويسلمونها للظلمة، وهذا وصايا باعوها واشتروا بها عسلا وموزا لوردسار مستمرا في مدة طويلة جملة مال، ومن المعلوم أنا قمنا غاضبين لله تعالى على حين فترة والحال حويل والمال مويل فقذفنا بنفوسنا في بحار الجنود، واستظللنا بخوافق البنود، في مقامات تشخص فيها الأبصار، وتبلغ القلوب الحناجر، فما بعنا شيئا من الوصايا، ولا خطر لنا في بال، ولا يخطر إن شاء الله تعالى، وكل وصية باعوها فإنا ننقض بيعها لكونه خلاف شرع الإسلام، وقبضوا الزكوات، والحقوق الواجبات، ودفعوها للظالمين مغارما، فما عاب ذلك منهم عائب، ولا شاب إيمانهم عندهم شائب، فلما فعلنا [بعض] ما فعلوه ولنا ولاية على الأمة عامة في النفوس والأموال، بحكم الكبير المتعال، عابوا وشابوا، وذهبوا في الطعن كل مذهب، هذا وهم يخضمون أموال الله خضم مسنات الإبل نبتة الربيع عند إجماعه، فما سدوا ثغرا، ولا استنزلوا عدوا من الظالمين قهرا، ولا أحدثوا فيها قتلا ولا أسرى، ولا أزالوا من شيء من أرض نكرا، ولا حموا من أنفسهم إلا بحبل من الله وحبل من الناس بذمة أو جوار كما نعلمه منهم، ويعلمه كافة من عرفهم.
فأما حبل من الله تعالى فلا حبل، فهم أسوأ في هذا الباب حالا من اليهود والنصارى والمجوس وسائر أنواع الكفر، فإن لهم من الله حبل الذمة، وأشعارهم تشهد بذلك إلى كل قبيلة أشرافهم وعوامهم، أجوارنا لا ينكر ذا منصف هل يكون من هذه حاله يعترض على من سد الثغور، وأصلح الأمور، وحفظ الجمهور، وأسر عفاريت الظالمين، واستعبد شياطين الآثمين، وطهر الأرض من أدناس طغاتها، ونفى أرباب الفساد من منوع جهاتها، وأمن السبل المخوفة على مرور الأعصار، وهزم الجنود الكبار، يشهد بذلك (ذيبين) و(عفار)، وصنعاء وحراز أو ذمار، وأنفذ الأحكام على فرق الكفار، بالقتل والسبا والإسار، حتى علا منار الدين على كل منار، وسما فخاره على كل فخار، فمن كان يطلع بذلك أيها الأشرار، نبئوني بعلم إن كنتم صادقين، وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون.
شتان ما يومي على كورها ويوم حيان أخي جابر
فليتأمل العاقل، الطالب النجاة الفصل، ففيه شفاء عليل الطالب لرشده، الذي يعلم به أن القوم لا يطلبون دينا، ولا يحالفون يقينا، وإنما قصدها التشكيك، ودينها الشك، ومحاولتها التغليظ، ومذهبها الإفك، فسلام الله على غيرهم ما أكل مداهم، وأقصر مداهم، حاولوا مناوأة آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بجدودهم الغابرة، وعزائمهم الفاترة، وتجارتهم البائرة، وصفتهم الخاسرة، والله لهم بالمرصاد، وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار.
صفحة ١٨٣