ودليل آخر إنما سميت الحكمة: حكمة، لأنها محكمة، والمحكم (1) فهو المتقن المبرم، والإتقان والإبرام فلا يكونان إلا بعلم وإحكام، والعلم والإحكام لا يكونان إلا من الحكيم العلام (2)، والنعمة لا تكون إلا من العالم (3)، لعلمه بفاقة المحكم إلى الإحكام، ولا يبرم المبرمات إلا عالم بحاجتها إلى الإبرام، وذلك كله فلا يكون إلا من ذي الجلال والإكرام.
ودليل آخر
لا بد أن تضاف هذه الحكمة إلى حكيم، أو تضاف إلى غير حكيم، فأيهما شهد بجوازه العقل جاز، فالعقل يشهد بالجواز أن تضاف إلى الحكيم، ولا يجوز في العقل أن تضاف الحكمة إلى غير حكيم.
ودليل آخر
لا بد أن تضاف هذه الحكمة إلى موات محدث أو إلى (4) قديم حي محدث، فالعقل يشهد (5) بإضافتها إلى القديم المحدث الحي، ولا يشهد بإضافتها(6) إلى الميت المحدث أصلا.
ودليل آخر
إما أن تكون هذه الحكمة أحكمت، وبسطت النعمة وأنعمت، بعلم الحي أو بجهل الميت.
فإن قلت: بالجهل فالجهل لا يوجب خيرا.
وإن قلت: بالعلم فالعلم صفة عالم.
ودليل آخر
إما أن تكون هذه الحكمة تمت بفعل قادر حي.
وإما أن تكون تمت بفعل ميت عاجز.
فإن قلت: بفعل الميت العاجز (7)، فالموت والعجز لا يتمان خيرا.
وإن قلت: بل بفعل قادر حي صدقت، لأن الفعل لا يتم إلا من الحي القادر.
ودليل آخر
إما أن يكون التوصيل والتفصيل من فعل موصل مفصل.
وإما أن يكون من فعل ميت غافل، فالميت الغافل لا يوجب توصيل أوصال، ولا تفصيل مفاصل.
ودليل آخر
إما أن يكون جعل الشيء لمصلحة الشيء من فعل مصلح فاعل (8).
صفحة ١٤٨