فإن قلت: إنه محدث فالمحدث مخلوق، وليس كلامنا إلا في المخلوق، لم خلق وما سببه وما علته؟!
وإن قلت: إن السبب الذي أوجد الخلق قديم أصبت، وعرفت الخالق ورشدت (1).
ودليل آخر
لا تعدو هذه الحكمة التي قدمنا ذكرها من أحد وجهين لا ثالث لهما :
إما أن تكون حكمة قديمة.
وإما أن تكون حكمة محدثة.
فإن قلت: إنها قديمة، فهذا محال، لأنا قد بينا حدثها.
وإن قلت: إنها محدثة، لم تخل من أن تكون حدثت بإحداث الحكيم أو بالإهمال.
فإن قلت: حدثت بالإهمال فهذا من أكبر المحال، لأن الهمل هو العدم، والعدم لا يوجب كون الحكمة ولا غيرها.
وإن قلت: بل حدثت بإحداث الحكيم، صدقت وكان ذلك كما ذكرت.
ودليل آخر
إما أن تكون عنيت بقولك: الحكمة قديمة تريد قدم سببها الموجب لها.
وإما أن تكون أردتها هي بالقدم في نفسها، فهذا باطل لما قدمنا من الدليل على حدثها، وإن كنت تريد سببها الذي أوجدها، فلعمري إن سببها قديم وهو خالقها وربها.
ودليل آخر
لم يختلف أحد في حدث ظهور تمام هذه الحكمة، وإنما اختلف في سببها أصلها وكيفية ظهورها (2) وبيانها، فأجمع الكل أن سببها شيء قديم، ثم اختلفوا فقال بعضهم: طبع موات، وقال بعضهم: رب حي، ففسد قول الملحدين، الكفار الملاعين، لأن الموات لا يكون سببا للحياة (3) وللحيوانات، وفسد قولهم أيضا لأن الموات ليس بحكيم والحكمة صفة للحكيم، كما أن العلم صفة للعليم (4)، وفسد قولهم أيضا لأن الموات محدث كسائر المحدثات، وفسد قولهم أيضا لأن الجود صفة جواد، والموات لا يعي ولا يعقل، فكيف إلى أن يجود ويتكرم، والكرم والجود لا يكونان إلا من كريم، متفضل رحيم.
صفحة ١٤٧