وإذا كان في البهائم لله حكمة، وكان عليها منه نعمة، وكان آلمها بأنواع من الآلام، وامتحنها بالموت والأسقام، فلا بد لها في الآخرة من نعيم لا يبلى، إذا كان إيلامه لها عدلا، وإذا كان بالبهائم الخرس رحيما، وكان في أمورها عدلا حكيما، فكيف بمن عرفه من أوليائه؟! وأيقن بثوابه ولقائه؟! وأحب وأبغض فيه، وهجر في بغضه مبغضيه، وصافا في محبته محبيه، ووالى فيه من يواليه، وعادا وناصب من يعاديه، فرحم الله عبد اتصل بمولاه، وذل له ولمن والاه، وقطع فيه جميع من عاداه، ولم يركن إلى متاع غرور دنياه.
وقد بلغنا عن بعض أهل الحيرة والعمى، ومن لم يعط من التوفيق عطية لحكماء، أنه زعم أن البهائم تكون بعد الحشر ترابا، ولا يجعل الله لها على ألمها ثوابا، وإنما يقول هذا من جهل حكمة الواحد الرحمن، ولم يوقن برحمته حقيقة الإيقان، وقذفه بالجور والعدوان، ولو كان الأمر في البهائم على ما وصف الجهال!! وقال به الكفرة الضلال!! لم يخل في إماتته لها من أحد وجهين:
إما أن يكون عدلا في إماتتها مرتين، ويثيبها على بعثها ثوابين، بعد أن يحشرها في الآخرة حشرين. وهذا محال عند ذوي العقول، فاسد في الاعتقاد والقول.
وإما أن يكون جائرا كما زعموا. فيعذبها عذابين، بعد أن أحياها كرتين، فكيف يكون عدلا إذا آلمها؟! وامتحنها بعد الحشر فأعدمها؟! ومن عذب في الآخرة والأولى بغير ذنب لم يكن عدلا!! فقذفوا الله تبارك وتعالى وأخرجوه من الحكمة جهلا.
ودليل آخر
إما أن يكون تعالى عن قولهم رحيما في إماتتها.
وإما أن يكون رحيما في حياتها، فالرحمة لا تكون في الموت الأبيد، وإنما الرحمة في الحياة والتخليد.
ودليل آخر
إما أن يكون موتها ينفعه، وإما أن يكون ينفعها، فهو غني عن موتها وحياتها، وهي محتاجة إلى حياة أنفسها، والموت فغير نافع لها، وإذا اتسعت رحمته، فكيف يضيق على البهائم نعمته؟! وهو قادر على تخليدها، وغير عاجز عن مزيدها.
صفحة ١٢٦