وسألت عن الدليل على دوام التخليد؟
والجواب في صدق الوعد والوعيد، أن الحكيم رؤف بالعباد، وإبطال الجنة وأهلها من أكبر الفساد، والحكيم لا يقطع ثوابه عن أوليائه، كما لا يقطع عقابه عن أعدائه، لأنه إن قطع ثوابه فقد ظلمهم، وعبث في خلقه فأهلكهم، والله يتعالى عن العبث والفساد، ويجل عن ظلم العباد، لأن أهل الجنة صبروا على محن الحكيم، والصبر محمود عند كل رحيم، وأيضا فإن الحكيم لا يظهر الحكمة للعبث والفناء، ولكنه جعل ذلك للبقاء، وقد أحسن أهل الجنة بالطاعة والإيمان، فهل يجازى أهل الإحسان بغير الإحسان؟!
أجل أنه لبعيد عن ذلك !! وأكرم من أن يكون كذلك!! وأيضا فإنه شكور للمطيعين، والشكور لا يقطع شكره عن الشاكرين، ولا يهلك عباده المؤمنين.
ألا ترى أن حكيما من حكمائنا لو أنعم بنعمة ثم سلبها، وانتزعها عن المنعم عليه وأذهبها، لما سميناه مع هذا الفعل الدنيء حكيما!! ولا دعاه أحد أبدا كريما!! ولصار عند الخلائق مذموما! ولكان عند الجميع لئيما! ولما كان عندهم أبدا رحيما! فكيف بأحكم الحاكمين؟! وأرحم الراحمين؟! وأشكر الشاكرين؟! وخير الغافرين؟!
فإن قال بعض الجهال الملحدين، الكفرة الفجرة الجاحدين: فلم زعمتم أنه لا يرحم أهل النار؟! ولا ينقلهم إلى دار الأبرار؟
صفحة ١٢٧