[وكان المكتفي على بن أحمد يشكو علة في جوفه، وفسادا في أحشائه، فاشتدت العلة به في شعبان من هذا العام، وأخذه ذرب (1) شديد أفرط عليه، وأزال عقله، حتى أخذ صافي الحرمي خاتمه من يده، وأنفذه إلى وزيره العباس بن الحسن وهو لا يعقل شيئا من ذلك وكان العباس يكره أن يلي الأمر عبد الله ين المعتز، ويخافه خوفا شديدا، فعمل في تصيير الخلافة إلى أبي عبد الله محمد بن المعتمد على الله، فأحضره داره ليلا، وأحضر القاضي محمد بن يوسف وحده، وكلمه بحضرته، وقال له : مالي عندك إن سقت هذا الأمر إليك؟ فقال له محمد بن المعتمد: لك عندي ما تستحفه من الجزاء والإيثار وقرب المنزلة فقال له العباس: أريد أن تحلف لى ألا تخليني] (2) من إحدى اثنتين إما أردت خدمتي فنصحتك وبلغت جهدى في طاعتك كما فعلت بغيرك، وإما آثرت غيري فوقرتني ولم تبسط علي يدا في نفسي ولا مالي ولا أحد بسيبي . فقال له محمد: لو لم تسق هذا الأمر إلي ما كان لي معدل عنك في كفايتك وجميل أثرك فكيف مع هذا اليد؟ فقال: أريد أن تحلف لي على هذا، فقال له : إن لم أفي لك قولا بغير يمين لم أف لك باليمين. فقال له القاضي: ارض منه بهذا فإنه أصلح من اليمين، فقال العباس: قد قنعث ورضيت، ثم قال مد يدك حتى أبايعك. قال: وما خبر المكتفى ؟ قال: في آخر أمره وأظنه تلف. قال محمد: ما كان الله جل اسمه ليراني أمد يدي إلى بيعة وروح المكتفي في جسده، ولكن إن مات فأنا أفعل ذلك. قال محمد بن يوسف: الصواب ما قاله.
~~فانصرفوا على ذلك. وأفاق المكتفي بالله وعقل أمره، وكنا ندخل إليه فنحادثه كل يوم وقد تردد في [1] العلة.
~~قال أبو بكر: فحضرت في شهر رمضان بعد أمر العباس هذا بأربعين يوما مجلس العباس بن الحسن الوزير، وفيه محمد بن المعتمد يناظر ابن عمرويه صاحب الشرطة في ميراث مولى له ثوفي وكان من أصحاب ابن عمرويه، فأخذ ماله ولم يعط محمدا منه شيئا، فأغلظ له محمد فرد عليه ابن عمرويه، جعل العباس يقول لابن عمرويه: أتقول مثل هذا لأبي عبد الله،
صفحة ٢١