وَصَفْتُ التُّقَى حتَّى كأنِّي ذو تُقَى … ورِيحُ الخَطَايا مِن ثِيابي تَعْبَقُ (^١)
ومع هذا كلِّه فلا بُدَّ للناس (^٢) من الأمر بالمعروفِ والنَّهْي عن المنكرِ، والوعظِ والتذكيرِ، ولو لم يعِظِ النَّاسَ إلا مَعْصُومٌ مِن الزَّلَلِ، لم يعِظْ بعدَ رسولِ الله ﷺ أحدٌ، لأنَّه لا عِصْمَةَ لأحدٍ بعدَهُ.
لئن (^٣) لم يَعظِ العاصِينَ مَنْ هُوَ مُذْنِبٌ … فَمَنْ يَعِظِ العَاصِينَ بَعْدَ مُحمَّدِ
ورَوى ابنُ أبي الدُّنيا بإسنادٍ فيه ضَعفٌ، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ ﷺ، قال: "مُروا بالمعروفِ وإن لم تعملُوا به كُلِّه، وانهَوْا عن المُنْكَرِ وإن لم تنتهوا (^٤) عنه كُلِّهِ" (^٥). وقيل للحسن: إنَّ فلانًا لا يَعِظُ، ويقولُ: أخافُ أنْ أقولَ ما لا أَفعلُ. فقال الحسن: وأَيُّنا يفعَلُ ما يقولُ؟! ودَّ الشيطانُ أنَّه قد (^٦) ظفِرَ بهذا، فلم يأمُرْ أحدٌ بمعروفٍ، ولم ينهَ عن مُنْكَرٍ. وقال مالكٌ، عن ربيعة: قال سعيدُ بن جُبير: لو كان المرء لا يأمرُ بالمعروف ولا ينهَى عن المنكرِ حتى لا يكونَ فيه شيءٌ، ما أَمَرَ أحدٌ بمعروفٍ ولا نَهَى عن مُنْكَرٍ. قال مالكٌ: وصدَقَ، ومَن ذا الذي ليس فيه شيءٌ؟!
مَنْ ذا الَّذي ما ساءَ قَطْ … ومَنْ لَهُ الحُسْنَى فَقَطْ
خطب عُمَرُ بنُ عبد العزيز ﵀ يومًا، فقال في موعظتِه: إنِّي لأقُولُ هذه المقالَةَ وما أعلمُ عندَ أحدٍ من الذُّنوبِ أكثرَ ممَّا أعلمُ عنْدِي، فأستغفِرُ الله وأتوبُ إليه. وكتبَ إلى بعض نوَّابِهِ على بعضِ الأمصار كتابًا يعِظُهُ فيه، فقال في آخره: وإني لأعِظُكَ بهذا، وإنِّي لكثيرُ الإِسْرافِ عَلى نَفْسِي، غَيْرُ مُحْكمٍ لكثيرٍ من أمْرِي، ولو أن المرءَ لَا يَعِظُ أخاهُ حتى يُحكِمَ نفسَهُ إذًا لتواكَلَ الناسُ (^٧) الخيرَ، وإذًا لرُفِعَ الأمْرُ
_________
(^١) في آ، ع، ش: "تسطع"، والمثبت من (ب).
(^٢) في ب، ط: "للإِنسان".
(^٣) في ع: "إذا".
(^٤) في آ، ب، ط: "تتناهوا"، والمثبت من ع، ش.
(^٥) ورواه بنحوه الطبراني في "الأوسط" و"الصغير" من حديث أنس بن مالك ﵁، من طريق عبد السلام بن عبد القدوس بن حبيب عن أبيه، وهما ضعيفان، كما ذكر الحافظ الهيثمي في "مجمع الزوائد" ٧/ ٢٧٧.
(^٦) لفظ "قد" لم يرد في ب، ط.
(^٧) في ب، ط: "لتواكل الخير".
1 / 55