لمَّا جَلَسَ عبدُ الواحد بن زيد (^١) للوعْظِ أَتتهُ امرأةٌ مِنَ الصالحات فأنشدته (^٢):
يا واعظًا قامَ لاحْتِسابٍ … يزجُرُ قَوْمًا عن الذُّنوبِ
تَنْهَى وأنْتَ المُريبُ (^٣) حقًّا … هذا من المُنْكَرِ العجيبِ
لو كنتَ أصلحْتَ قبلَ هذا … عَيْبَكَ أو تبتَ من قريبِ
كانَ لِما قُلْتَ يا حَبيبي … مَوقعُ صِدْقٍ مِنَ القُلُوبِ
تَنْهَى عن الغَيِّ والتَّمادِي … وأنتَ في النَّهي كالمُريبِ
لمَّا حاسَبَ المتَّقُون أنفسَهم خافوا من عاقبةِ الوَعْظِ والتَّذكيرِ. قال رجلٌ لابن عبَّاسٍ: أريدُ أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر. فقال له: إنْ لم تخشَ أن تَفْضَحَكَ هذه الآياتُ الثلاثُ فافْعَلْ، وإلا فابدأْ بنفسِكَ، ثم تلا: ﴿أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾ (^٤). وقوله تعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ (^٥). وقوله حكايةً عن شُعيبٍ ﵇: ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ (^٦).
قال النَّخَعِيُّ: كانوا يَكْرَهُونَ القَصَصَ؛ لهذه الآياتِ الثلاث. قيل لمورِّق العِجْلي (^٧): أَلا تَعِظُ أصحابَكَ؟ قال: أكرَهُ أن أقولَ ما لا أَفْعَلُ. تقدَّمَ بعضُ التابعين ليصلِّي بالنَّاسِ إمامًا، فالتفتَ إلى المأمُومين يُعدِّلُ الصُّفوفَ، وقال: اسْتَوُوا، فغُشِيَ عليه، فسُئلَ عن سَبب ذلك، فقال: لمَّا قلْتُ لهم: استقيموا، فكَّرْتُ في نفسِي، فقلتُ لها: فأنتِ، هل اسْتَقَمْتِ معَ اللهِ طرفَةَ عَينٍ؟
مَا كُلُّ مَنْ وَصَفَ (^٨) الدَّواء يستعمِلُه (^٩) … ولا كُلُّ مَنْ وَصَفَ (٨) التُّقَى ذو تُقَى
_________
(^١) هو عبد الواحد بن زيد، أبو عبيدة البصري، الزاهد، شيخ الصوفية وواعظهم. كان يسرح في الشام، وقدم دمشق. أخباره في تاريخ ابن عساكر - المجلدة العاشرة - الورقة ٢٧٧ - ٢٨١، وفيه الأبيات وقصة المرأة الصالحة. وقد ضعفه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل ٣/ ٢٠ والذهبي في ميزان الاعتدال ٢/ ٦٧٢.
(^٢) في ع: "فأنشدت".
(^٣) في ش: "المريض".
(^٤) سورة البقرة الآية ٤٤.
(^٥) سورة الصف الآية ٢ و٣.
(^٦) سورة هود الآية ٨٨.
(^٧) في ب، ط: "لمطرف"، وفي آ، ع: "لمطرف العجلي"، وفي ش: "لمورق المطرف العجلي". وهو مورِّق بن المشمرج العجلي، أبو المعتمر، ثقة، عابد. مات في ولاية عمر بن هبيرة على العراق. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ٤/ ٣٥٣ وصفة الصفوة ٣/ ٢٥٠.
(^٨) في ط: "وصب".
(^٩) في آ: "استعمله".
1 / 54