بالمعروفِ والنَّهْيُ عن المُنْكَرِ، وإذًا لاستُحِلَّتِ المَحارِمُ، وقَلَّ الواعِظُونَ والسَّاعون لله بالنَّصِيحةِ في الأرض؛ فإنَّ (^١) الشيطان وأعوانَه يَودُّون أن لا يأمُرَ أَحدٌ بمعروفٍ ولا يَنْهَى عن مُنْكَرٍ، وإذا أمَرَهُم أحدٌ أو نَهاهُم، عَابُوه بما فيهِ وبما ليس فيه، كما قيل:
وأُعْلِنَتِ الفواحِشُ في البوادِي … وصارَ النَّاسُ أَعْوَانَ المريبِ (^٢)
إذا ما عِبْتُهُم عَابُوا مَقَالِي … لِما في القَوْمِ مِن تلكَ العُيوبِ
وَوَدُّوا لو كَفَفْنا فاسْتَوَيْنا … فصَارَ النَّاسُ كالشيءِ المشوب (^٣)
وكنَّا نَسْتَطِبُّ إذا مَرِضْنَا … فصارَ هلاكُنا بيدِ الطَّبِيبِ
كان بعضُ العلماءِ المشهورين له مجلِسٌ للوعظِ، فجلَسَ [فيه] (^٤) يومًا فنظرَ إلى مَن حَوْلَهُ وهُم خَلْقٌ كثيرٌ، وما منهم إلَّا مَن قد رقَّ قلبُه أو دَمِعَتْ عينُه، فقال لنفسِه فيما بينَه وبينَها: كيفَ بكِ إنْ نجا هؤلاء وهلَكْتِ أنتِ؟ ثم قال في نفسه: اللهمَّ، إن قضيْتَ عليَّ غدًا بالعذابِ فلا تُعْلِمْ هؤلاءِ بعذابي؛ صيانةً لكرمِكَ لا لأَجْلي (^٥)؟ لئلَّا يُقالَ: عذَّبَ مَن كان في الدُّنيا، يُدِلُّ عليه. إلهي! قد قيلَ لنبيِّكَ ﷺ: اقتُلْ ابنَ أُبيّ المنافِقَ، فقال: لا يتحدَّثُ النَّاسُ أن محمَّدًا يقتُلُ أصحابَهُ، فامْتَنَعَ من عِقابه؛ لمَّا كانَ في الظَّاهر يُنْسَبُ إليه. وأنا على كُلِّ حالٍ فإليْكَ أُنْسَبُ.
زوَّرَ رجلٌ شفاعةً إلى بعضِ الملوكِ على لسانِ بعضِ أكابِرِ الدولةِ، فاطلعَ المزوَّرُ عليه على الحال، فسَعَى عند الملِكِ في قضاءِ تلك الحاجةِ، واجتهَدَ حتى قُضيَتْ، ثمَّ قال للمزوِّر عليه: ما كنَّا نخيِّبُ مَن علَّقَ أملَهُ بنا، ورجَا النَّفعَ من جهتنا.
إلهي! فأنتَ أكرمُ الأكرمين، وأرحمُ الراحمين، فلا تُخيِّبْ مَن علَّقَ أملَهُ ورجاءَهُ بكَ، وانتسبَ إليكَ، ودَعَا عبادَكَ إلى بابكَ، وإن كان مُتَطفِّلًا على كرمِكَ، ولم يكن أهلًا للسَّمْسَرَةِ بينَكَ وبينَ عبادِكَ، لكنَّه (^٦) طمِعَ في سَعَةِ جُودِكَ وكَرَمِكَ، فأنتَ أهلُ
_________
(^١) لفظ "إن" لم يرد في ب، ش، ط.
(^٢) المريب: صاحب الرِّيبة، وهي التُّهَمَة والظِّنَّة.
(^٣) شاب الشيء: خَلَطَه، وهو مَشُوب.
(^٤) زيادة من (ع، ش).
(^٥) قوله: "لا لأجلي" ساقط في (آ).
(^٦) في آ، ع: "لكن".
1 / 56