يا قَوْمِ مَنْ أَظلَمُ مِن واعظٍ … خالَفَ ما قد قالَهُ في المَلا
أَظْهَرَ بينَ النَّاسِ إحسانَهُ … وبارَزَ الرَّحمانَ لمَّا خَلَا
العالِمُ الذي لا يعمَلُ بعلمِهِ مَثَلُهُ كمثَلِ المِصبَاحِ، يُضيءُ للنَّاسِ ويحرِقُ نفسَهُ. قال أبو العتاهية (^١):
وَبَّخْتَ غَيْرَكَ بِالْعَمَى فأَفَدْتَهُ … بَصَرًا وأنتَ مُحَسِّنٌ لِعَمَاكَا
وفتيلَةُ المِصْبَاحِ تَحرِقُ نَفْسَها … وتُضيءُ لِلأَعْشَى وأَنْتَ كَذاكَا
المواعِظُ دِرياق (^٢) الذُّنوبِ، فلَا ينبغِي أن يَسْقِيَ الدِّرياقَ إلا طبيبٌ حاذِقٌ معافى. فأَمَّا لَدِيغُ الهوَى فهو إلى شُرْبِ الدِّرياقِ أحوَجُ من أن يسقيَهُ لغيره.
في بعض الكتبِ السالفة: إذا أردتَ أن تعِظَ النَّاسَ فعِظْ نفسَكَ، فإِن تَّعَظَتْ، وإلَّا فاستَحِي مِنّي.
وغيرُ تقِيٍّ يأمرُ النَّاسَ بالتُّقَى … طَبيبٌ يُداوِي النَّاسَ وَهْوَ سَقِيمُ
يا أيُّها الرَّجُلُ المُقَوِّمُ (^٣) غيرَهُ … هلَّا لِنَفْسِكَ كانَ ذَا التَّقْوِيمُ (^٤)
فابْدأ (^٥) بنفسِكَ فانْهَها عن غَيِّها … فإن انتَهَتْ عنه فأنتَ حَكِيمُ
فَهُناكَ يُقبَلُ ما تقُولُ ويُقْتَدَى … بالقَوْلِ مِنْكَ ويَنْفَعُ التَّعلِيمُ
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتأْتِيَ مِثلَهُ … عارٌ عليكَ إذا فَعَلْتَ عَظِيمُ (^٦)
_________
(^١) ديوانه ٢٦٤، ورواية الثاني فيه:
كفتيلةِ المِصْباحِ تحرقُ نفسَها … وتُنيرُ واقِدَها وأنت كذاكا
وأبو العتاهية: هو إسماعيل بن القاسم بن سويد العيني العَنَزي بالولاء، أبو إسحاق، الشهير بأبي العتاهية. شاعر مكثر، كان ينظم المائة والمائة والخمسين بيتًا في اليوم حتى لم يكن للإِحاطة بشعره من سبيل، وأكثر شعره في الزهد. مات سنة ٢١١ هـ.
(^٢) في ب، ط: "ذرياق" بالذال، ورد ذلك في المواضع كلها. والدِّرياق: التِّرياق، والخمر، فارسي معرّب.
(^٣) في ط وهامش ب: "المعلِّم"، وكذا في ع، وفوقها "المقوِّم" على جواز الروايتين.
(^٤) في ط: "التعليم"، وكذا في ع وفوقها "التقويم" على جواز الروايتين.
(^٥) في آ، ش: "ابدأ".
(^٦) البيت الأخير من شواهد النحو المعروفة والأبيات السائرة، وقد اختلف في قائله، فنسب إلى المتوكل بن عبد الله الليثي، وإلى أبي الأسود الدؤلي. والأبيات عدا الأول والثاني في ديوان أبي الأسود الدؤلي (تحقيق الدجيلي) ص ٢٣٣. وانظر حماسة البحتري ١١٧، والخزانة ٣/ ٦١٧، وشرح أبيات المغني للبغدادي ٦/ ١١٢.
1 / 53