وكان أبو تمام الطائي قد مات قبله رثاهما البحتري بأبيات منها قوله:
قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي * مثوى حبيب يوم مات ودعبل أخوي لا تزل السماء مخيلة * تغشا كما بسماء مزم مسبل جدت على الأهواز يبعد دونه * مسرى النعي ورمة بالموصل وفي بعض التأليف ان أبا تمام بلغ في الشعر درجة لم يبلغها شاعر قبله ولا بعده رأي الكثيرين، وقد نظم في كل ضرب من ضروب الشعر ولكنه نبغ في الرثاء نبوغا وترك جميع الشعراء خلفه، فقد روي أنه لما أنشد أبا دلف العجلي قصيدته البائية حسنها وأعطاه خمسين ألف درهم وقال له والله انها لدون شعرك ثم قال والله ما مثل هذا القول في الحسن إلا المرثية التي رثيت بها محمد بن حميد الطوسي فقال أبو تمام وأي مرثية أراد الأمير قال قصيدتك الرائية التي أولها:
كذا فليجل الخطب وليفدح الامر * فليس لعين لم يفض ماؤها عذر وقد وددت والله انها لك في فقال بل أفدي الأمير نفسي وأهلي وأرجو ان أكون المقدم عليه فقال أبو دلف انه لم يمت من رثى بهذا الشعر فلنذكر بعض اشعاره القصيدة قال:
توفيت الآمال بعد محمد * وأصبح في شغل عن السفر السفر وما كان إلا مال من قل ماله * وذخرا لمن أمسى وليس له ذخر ألا في سبيل الله من عطلت له * فجاج سبيل الله وانثغر الثغر فتى كلما فاضت عيون قبيلة * دما ضحكت عنه الأحاديث والذكر فتى دهره شطران فيما ينوبه * ففي بأسه شطر وفي جوده شطر فتى مات بين الطعن والضرب ميتة * يقوم مقام النصر إن فاته النصر وما مات حتى مات مضرب سيفه * من الضرب واعتلت على القنا السمر غدا غدوة والحمد نسج ردائه * فلم ينصرف إلا وأكفانه الاجر تردى ثياب الموت حمرا فما دجا * له الليل إلا وهي من سندس خضر
صفحة ٣١