وقال الحازمي في شروط الأئمة: "مذهب من يخرج الصحيح أن يعتبر حال الراوي العدل في مشايخه، وفيمن روى عنهم وهم ثقات أيضا، وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزمه إخراجه، وعن بعضهم مدخول لا يصح إخراجه إلا في الشواهد والمتابعات.
قال: وهذا باب فيه غموض وطريق إيضاحه معرفة طبقات الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم، فلنوضح ذلك بمثال وهو أن يعلم أن أصحاب الزهري مثلا على خمس طبقات ولكل طبقة منها مزية على التي تليها؛ فالأولى في غاية الصحة نحو مالك، وابن عيينة، وعبيد الله بن عمرو، ويونس، وعقيل ونحوهم وهي جل مقصد البخاري، والثانية شاركت الأولى في التثبت غير أن الأولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري حتى كان فيهم من يلازمه في السفر والحضر، والثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه فكانوا في الإتقان دون الطبقة الأولى، وهذا شرط مسلم نحو: الأوزاعي، والليث بن سعد، والنعمان بن راشد، وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر، وابن أبي ذئب، والثالثة: جماعة لزموا الزهري كالطبقة الأولى غير أنهم لم يسلموا من غوائل الجرح فهم بين الرد والقبول وهم شرط أبي داود والنسائي نحو سفيان بن حسين، وجعفر بن برقان، وإسحاق بن يحيى الكلبي، والرابعة: قوم شاركوا أهل الثالثة في الجرح والتعديل وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث الزهري؛ لأنهم لم يصاحبوا الزهري كثيرا وهم شرط الترمذي.
قال: وفي الحقيقة شرط الترمذي أبلغ من شرط أبي داود؛ لأن الحديث إذا كان ضعيفا أو من أهل الطبقة الرابعة فإنه يبين ضعفه وينبه عليه فيصير الحديث عنده من باب الشواهد والمتابعات، ويكون اعتماده على ما صح عند الجماعة، ومن هذه الطبقة: زمعة بن صالح، ومعاوية بن يحيى الصدفي، والمثنى بن الصباح.
صفحة ٦٤