والقسم الثاني: صحيح على شرطيهما، وقد حكى أبو عبد الله بن منده: أن شرطهما إخراج أحاديث أقوام لم يجمع على تركها، إذا صح الحديث باتصال الإسناد من غير قطع ولا إرسال فيكون هذا القسم من الصحيح إلا أنه طريق لا يكون طريق ما أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما بل طريق ما تركاه من الصحيح؛ لما بينا أنهما تركا كثيرا من الصحيح الذي حفظاه.
والقسم الثالث: أحاديث أخرجاها من غير قطع عنهما بصحتها، وقد أبانا علتها بما يفهمه أهل المعرفة، وإنما أودعا هذا القسم في كتابيهما لرواية قوم لها واحتجاجهم بها، فأورداها وبينا سقمها لتزول الشبهة وذلك إذا لم يجدا له -أي لما في الباب مثله- طريقا غيره لأنه أقوى عندهما من رأي الرجال.
وأما أبو عيسى الترمذي فكتابه على أربعة أقسام: قسم صحيح مقطوع به، وهو ما وافق البخاري ومسلما، وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بينا في القسم الثاني لهما، وقسم آخر كالقسم الثالث لهما أخرجه وأبان عن علته، وقسم رابع أبان هو عنه، وقال: ما أخرجت في كتابي إلا حديثا قد عمل به بعض الفقهاء، فعلى هذا الأصل كل حديث احتج به محتج أو عمل بموجبه عامل أخرجه سواء صح طريقه أم لم يصح، وقد أزاح عن نفسه فإنه تكلم على كل حديث بما فيه، وكان من طريقه أن يترجم الباب الذي فيه حديث مشهور عن صحابي قد صح الطريق إليه.
وأخرج حديثه في الكتب الصحاح، فيورد في الباب ذلك الحكم من حديث صحابي آخر لم يخرجوه من حديثه، ولا يكون الطريق إليه كالطريق إلى الأول: إلا أن الحكم صحيح ثم يتبعه بأن يقول: وفي الباب عن فلان وفلان ويعد جماعة منهم الصحابي الذي أخرج ذلك الحكم من حديثه، وقل ما يسلك هذا الطريق إلا في أبواب معدودة". انتهى.
صفحة ٦٣