Synchroniques
أما الانتقال من أسلوب في الإنتاج إلى الآخر، والطريقة التي تكون بها هذا الأسلوب في فترة تاريخية معينة، فهذا ما نعجز عن الاهتداء إليه في نطاق أبحاثه. أي إن ألتوسير بدوره لا يقدم تعليلا كافيا «لمنشأ» الظواهر التي يبحثها، أو «لنقاط التحول» التاريخية الحاسمة التي تطرأ عليها. والتي يتعين علينا إذا شئنا تفسيرها أن نخرج عن النطاق الذي تقيد به ألتوسير، ونعود إلى البشر والإطار الذهني الذي كانوا يعيشون فيه. أما «فوكو» فكان إنكاره للتاريخ صريحا، بل إنه يتجنب كل ما له صلة بمقولات التغير، والتحول، ولا يرى في كل مرحلة تاريخية إلا ثوابتها فحسب، ويصل به الأمر إلى حد التشكيك في مفهوم «الإنسان» نفسه، من حيث هو مفهوم يصلح لإقامة دراسة علمية موضوعية، مؤكدا أن الإنسان ليس إلا «ثنية خفيفة
ride » في الرمال.
1
ومن النتائج الهامة التي ترتبت على إنكار مفهوم الإنسان، وإسقاط التاريخ من الحساب، هجوم بعض البنائيين على المفهوم الجدلي للعقل، واعترافهم بعقل واحد فقط، هو العقل التحليلي. وقد ظهر ذلك واضحا في الفصل الذي خصصه ستروس لمهاجمة كتاب «نقد العقل الجدلي» لجان بول سارتر. فهو في هذا الفصل ينكر أن يكون هناك استخدام آخر للعقل غير الاستخدام التحليلي، ومن ثم فإن كل اتجاه إلى البحث عن منشأ الظواهر وتاريخها وتطورها هو اتجاه ثانوي، يمكن أن يضاف إلى العقل التحليلي، ولكنه لا يمكن أن يكون بديلا عنه. فما يسمى بالعقل الجدلي هو الجهد الذي يبذله العقل التحليلي عندما يريد أن يقوم بمغامرات، ويشيد الجسور ويعبرها، وينتقل من مواقعه، ولكنه ليس على الإطلاق «نوعا آخر» من العقل «يختلف» عن العقل التحليلي أو يحل محله. ويظل الطابع الدائم للعقل الإنساني هو التحليل، الذي يكشف عن البناءات الثابتة، والذي يوصلنا هو وحده إلى المعقولية في فهم الظواهر.
على أن البعض الآخر من أنصار البنائية، يأخذ على عاتقه مهمة الدفاع عن المذهب ضد هذه الاتهامات الموجهة إلى تصور البنائية للإنسان، ومن ثم للتاريخ والعقل الجدلي. وهم ينطلقون في دفاعهم هذا من مبدأين أساسيين، أولهما وجود سوء فهم لتلك المقولات التي تتهم البنائية بأنها تنكرها، وثانيهما إمكان التوفيق بين البنائية وبين تلك المقولات، مفهومة بمعناها الصحيح.
أول هؤلاء المدافعين هو بياجيه. وقد عرضنا في مستهل هذا البحث لرأيه في إمكان التوفيق بين البنائية والنزعة التاريخية، وتساؤله عن الحكمة في إصرار البنائيين على النظرة السكونية إلى المعرفة البشرية. وحسبنا الآن أن نعرض رأيه في النقد الذي أشرنا إليه في النقطة الأخيرة، وأعني به تصور العقل في البنائية. ففي رأي بياجيه أن ستروس كان على صواب حين قال إن العقل الجدلي يضاف إلى العقل التحليلي، وليس بديلا عنه. وهو بدوره يؤمن بأن كلا منهما طريقة خاصة في استخدام العقل، ولكنهما متكاملان وليسا متنافرين. فمهمة العقل التحليلي في العلم هي القيام بالتحقيق والتثبت من صحة القضايا
verification
ومهمة العقل الجدلي أو التركيبي هي أن يعطينا القدرة على الإبداع والتقدم، وهي قدرة يفتقر إليها العقل التحليلي . وفي كثير من الأحيان يتم التقدم في العلم عن طريق عملية النفي
négation
صفحة غير معروفة