ألا ترى أن ما عقب به من رده من الكلام دليل على جهله بما ذكرنا، فإنه قال على أثر ذلك، ولو شاء لجعل السماء أرضا والأرض سماءا والبحر برا والبر بحرا، ثم قال، وهذا مطرد في جميع الأضداد. فانظر كيف عارض بذكر المشيئة على إثبات القدرة، انظر كيف جعل السماء ضدا للأرض، والبحر ضدا للبر، ونظر كيف فلب الصور بمنزلة اجتماع الأضداد، فقد كان يجب عليه إذا أراد المعارضة أن يتأكد للمناقضة فإنه بها بدأ ولها تعرض، وعليها اعتمد [53] تصريحا وما عرض، فلو لم يقل في آخر رده: ((وهذا مطرد في جميع الأضداد)) لاحتمل أنه لم يرد بذلك معنى الأضداد وإنما أضاف ذلك إلى هذا المعنى آخر، فلما أن قال: وهذا مطرد في جميع الأضداد دل على ما قلنا.
مسألة: فأما قوله: ((نعم يقدر على جمع الأضداد ولو شاء لجعل السماء أرضا)) فإن كان أراد بقوله: لو شاء لجعل، أي لقدر فإني أخاف أن هذا لا يجوز.
الدليل على ذلك: أن لو إنما تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره فيكون على هذا لو شاء لقدر، أي لم يقدر إذا لم يشأ وهذا تقض لقوله، لأنه قال نعم هو قادر على ذلك، ولو شاء لقدر مكأنه قال: هو قادر ولا يقدر، إذا لم يشأ ذلك.
بيان ذلك: انك تقول لو جاء زيد لأكرمته، أي لم أكرمه إذ لم يأت وهذا إن: أن أراد بقوله لو شاء لقدر ن لجعل معنى لو شاء لقدر، ولسنا نقطع عليه أنه أراد ذلك إذ ليس في لفظ رده لجعل دليل على أنه لقدر، وإنما قلنا هذا حيث أجاب على سؤال السائل عن القدرة بذلك، فجفنا أن يكون أراد ذلك وإن كان لم يرد ذلك، وإنما أراد بقوله: لو شاء لجعل، أي لو شاء لفعل، فهذا جواب يقتضيه من سأل فقال: لم لم يجعل الله السماء أرضا؟ فيقال له، لو شاء لجعل، أي إنما لم يجعل ذلك إذ لم يشأه. وليس هذا من جواب السائل عن القدرة في شيء وهو حشو (1) من الكلام وضع في غير موضعه.
صفحة ٧٠