جانب الإرشاد اعلم أنا قد بينا معنى الأضداد وحقيقتها وأن الضدين هما الذاتان اللتان لا تجتمعان في محل واحد كالحركة والسكون، والاجتماع والافتراق، والحياة والموت، والعلم والجهل، والحق والباطل، والطاعة والمعصية، وما أشبه ذلك، وقد رفعنا ما وجدناه في كتاب ((الأكلة)) من الجواب لمن سأل فقال: هل يقدر أن يجمع الأضداد؟ وأن جوابه كجواب السائل عن القدرة على إدخال الدينا على ما هي عليه من العظم في البيضة على عليه من الصغر.
وقد قال: أن السائل عن هذا المسألة يقال له: ناقضت في سؤالك.
وجوابنا، أن الله على كل شيء قدير، أنلك لم تسألنا عن شيء يقدر عليه إنما نقضت ببعض كلامك بعضا، وهذا الذي هو عندنا.
وقد وجدنا في آثار المسلمين ولا نعلم في ذلك اختلافا أن اجتماع الأضداد محال، وأن الله تعالى لا يوصف بالقدرة على المحال، وسنذكر الدليل على ذلك بعد فراغنا من هذا الباب بعون الله الوهاب.
مسألة فأما وجدنا من رد المنازع لنا في مسألة اجتماع الأضداد من قوله: إن الله قادر على ذلك ن فإنه يدل على جهل تحقيقه معنى القدرة وحقيقة معنى الأضداد ن وذلك إنما هو عند الله في الحقيقة لا تجتمع، كيف يوصف بالقدرة على جمعه وجمعه لا شيء لأن اجتماعهما محال أي معدوم لا يوجد البتة ن ولا يكون وما لا يكون فليس بشيء، أم كيف وصف بالقدرة على أن يجمعه وهو مما هو في الحقيقة لا يجتمع. ومن شرط أنه لا يجتمع، إن ما أمكن أن يجتمع فليس بأضداد.
صفحة ٦٩