مسألة: وإنما قال الله تعالى ((ولو شاء لجعلكم أمة واحدة)) (2) و (لو يشاء الله الهدى الناس جميعا) (3) وما أشبه ذلك من الآيات. فإنما نفى كون الشيء إذ لم يشأ، أي إنما لم نجعل الناس أمة واحدة إذ لم يشأ ذلك وشاء أن يكونوا مختلفين، فلذلك اختلفوا وكذلك لم يهد الله الناس جميعا، أي لم يشأ هدايتهم جميعا، فإنما ضل من منهم حيث لم يشأ هدايتهم، وشاء ضلالته وأرادها وكذلك إنما اهتدي منهم من اهتدى حيث شاء الله هدايته ولم يشأ ضلالته.
الدليل على ذلك: أن المسلمين يحتجون بهذه الآيات على القدرية النافين لخلق الأفعال القائلين بأن الله لم يرد أفعال العباد ولم يخلقها، وان العباد فعلوا ما لم يرد الله. ولا يجوز أن يضاف إلى المسلمين انهم أرادوا بذلك الدلالة على القدرة فيكون معنى قوله تعالى: (لو يشاء الله لهدى الناس) (4) أي لو [54] شاء لقدر على هدايتهم. فإن هذا يرجع معناه إلى نفى القدرة لأنه متى جاز أن يقال إن معنى لو شاء لهداهم، لو شاء لقدر على هدايتهم، فإذا لا يقدر على هدايتهم جميعا، وهذا سوء تأويل فاحش، بل الله قادر على ذلك شاء أو لم يشاء، والله أعلم وبه التوفيق.
مسألة: ويقال لهذا المعارض بالمشيئة على سؤال القدرة: ما الجواب عندي لمن سال فقال أيقدر الله تعالى أن يتخذ ولدا أم لا؟ فإن قال: إن الجواب له أنه يقدر على ذلك، فقد كفر من حيث إنه لا يصح له ولد إلا ولده والله متعال عن هذه الصفة علوا كبيرا.
وأن قال الجواب أنه لا يقدر فقد عجزه، وإن قال الجواب هذا السؤال محال، قلنا فقد قال الله: (لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه) (5) في هذا دلالة على وجوب القدرة ن فغن قال نعم فقد رجع عن قوله إن السؤال محال، وإن قال لا، قلنا: فما وجه ذلك (6) بذكر المشيئة في مسالة اجتماع الأضداد؟! وهذا كاف في دحض حجته إن شاء الله وبه التوفيق.
صفحة ٧١