مسألة: وإذا جاز وصح ولزم أن يوصف الله بأنه قادر على أن قسم الجوهر، لزم وصح أن يوصف بأنه قادر على أن الأعمى الذي ويحيى الحي لأن حقيقة الجوهر الواحد أنه لا يتجزأ، كما أن حقيقة الأعمى الذي لا يبصر وحقيقة الحي الذي ليس بميت. فإن قال قائل: إذا شبهتم الجوهر بالأعمى لزمكم أن تجيزوا طرق التجزئة عليه ن كما تجيزون طرق البصر على الأعمى.
فلنا هذه المعارضة تنقلب عليكم من حيث إن شرط البصر يرفع العمى كما أن شرط التجزئة [50] ترفع حقيقة الجوهر الواحد، ذلك أن شرط نور الحدقة، ومن بهذه المثابة فليس بأعمى، وكذلك شرط التجزئة اجتماع جزأين فصاعدا، وما هذا صفته فليس بجوهر واحد، بل جوهران أو أكثر.
وهكذا جميع الحقائق التي لا تستحيل إلا باستحالة أعيانها والله أعلم.
مسألة: ويقال ما تقول في الجوهر الواحد يتجزأ أم لا يتجزأ؟
فإن قال: يتجزأ، فقد وافق هشام وإبراهيم النظام، كفينا مؤنته في مخالفة آثار المسلمين، وقد تقدم الرد عليه في باب اختلاف الناس في الجزء الذي لا يتجزأ، وإن قال لا يتجزأ، قلنا، قولك يتجزأ حقيقته أم مجاز؟ فإن قال مجاز فحقيقته أنه يتجزأ أم لا؟ فإن قال حقيقته أنه يتجزأ، رفع إلى قوله إذ لا معنى لهشام والنظام إلا أنه يتجزأ في الحقيقة وقد قدمنا بيان فساد ذلك.
فأن قال حقيقته أنه لا يتجزأ، قلنا: عند الله، أم عندنا لا عند الله؟ فإن قال: عندنا ن وأما عند الله فهو يتجزأ، فهذا تناقص في القول إذ لا معنى للشيء في الحقيقة إلا ما بينه عند الله على ما هو به، فكيف يقول حقيقته، أي هو عند الله في الحقيقة، أنه يتجزأ عندنا وأما عند الله فلا.
صفحة ٦٦