فإن قال: له قسم، أوجب أنه ينقسم وخالف من قال إن حقيقة الجزء الذي لا يتجزأ، إذ معلوم أن معنى لا يتجزأ لا ينقسم، وهذا دخول في قول هشام الذي دللنا على فساده وهو خروج من قول المسلمين. لا، لا نعلم شيئا له قسم إلا وهو موصوف بأنه ينقسم كما انا نعرف شيئا له بصر إلا وهو موصوف بأنه يبصر [49] ولا شيئا له حياة إلا وهو موصوف بأنه حي. وهذا مطرد في جميع الأعراض اللازمة للجواهر على التعاقب الموصوف كل جوهر بما حله منها أعنى من الأعراض.
فهذا بين لمن أراد الله إرشاده وتوفيقه.
وإذا جاز ولزم وصح أن يوصف الجوهر بأن له قسما لزم أن يوصف بأنه ينقسم ووجب بطلان ما قاله الشيخ أبو المنذر وغير ه، ممن حكينا أقاويلهم وهذا مفضض إلى بطلان الحد في الأجسام وإفساد النهاية فيها والجهات المحيطة بنواحيها، وهو ما شهد العقل بفساده، أعاذنا الله وجميع المسلمين من عقل لا ينفع، وقلب لا يخشع، وأذن لا تسمع، وبه التوفيق.
مسألة: وأن رجع هذا المنازع لنا إلى الحق وأقر أن لا قسم للجوهر قلنا: فإذا قسم الجوهر أم لا؟
فإن قال: إنه شيء فقد أثبت أن له قسما ورجع إلى قوله الأول إذ لا معنى للشيء إلا صحة المذكور وجوبه. فلا معنى للشيء إلا نفيه. فمتى صح أن قسم الجوهر شيء وهو الحقيقة لا يقسم ثبت وإن بصر الأعمى في حال عماه شيء وأن حياة الميت في حال موته شيء، ومتى صح ذلك وجاز وثبت، جاز أن يوصف الأعمى في حال عماه بالبصر إذ بصره شيء، وأن يوصف الميت بالحياة في حال موته إذ حياته شيء.
مسألة: وإن قال: إن قسم الجوهر لا شيء، قلنا: فإذا كان قسم الجوهر لا شئ فيجوز أن يوصف القدير بالقدرة على لا شيء. فإن قال نعم فقد خصم نفسه، وكفينا مؤونته. وإن إطلاق القدرة على لا شيء عبث من القول لا فائدة فيه ولا حكمة تدل عليه.
مسألة: ويقال لمن قال: إن قسم الجوهر الواحد شيء، إذا قلت إنه شيء فأخبرنا عنه أهو شيء موجود فيه أم معدوم منه، فإن قال (1) ...
صفحة ٦٥