وإن قال ((إلى غير)) فقد كابر عقله، فإن الموجود في آثار المسلمين أن الجوهر في الحقيقة هو الجزء الذي لا يتجزأ، وما لا يتجزأ فلا يأتلف؛ إذ لا معنى لقولنا يتجزأ إلا أنه يرتفع تأليفه. إن هذا الاختلاف، والجزء في الحقيقة لا يكون جزأين في الحقيقة، ونحن إنما نريد بالجوهر أقل جزء لقسم يقتضي حدثا في شيئين مؤتلفين، فلهذا قلنا إن السؤال محال إذا خالف آخر السؤال أوله لأنه حيث قال: هل يقدر؟! وجب عليه أن يذكر إعدام موجود وإيجاد معدوم فلما قال يقسم، وجب أن يذكر شيئا موجود مجتمعا.
فلما أن ذكر الجوهر وهو في الحقيقة غير مجتمع انتقض سؤاله وفسدوا ستحال من حيث خالف آخر مقتضى أوله، وهذا ما لا يدفعه ذو عقل ولا يجحده ذو فضل، ولا يرده أو لو نقل، ولا ينساغ جحده البتة إلا لاثنين، واحد يقول بأن الجوهر ينقسم. وآخر يقول إن الله يوصف بالقدرة على المحال. فأما من يقول بأن الجوهر ينقسم، فقد شرحنا الحجة عليه، وبينا جملة معانيه في غير موضع من كتابنا هذا عن الشيخ أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب رحمهم الله، فإن كابر على دفعه فلا حاجة لنا إلى مناظرته على موافقته للنظام وهشام، ومخالفة أبي المنذر وبالله التوفيق.
وأما من يقول بالقدرة على المحال فسنأتي ببيان الأدلة عليه إن شاء الله.
مسألة: ويقال لمن زعم إن الله يوصف على بالقدرة على قسم الجوهر، ما تقول في قول القائل: هل يقدر البارئ على قسم الجوهر، وقوله: يقدر أن يقسم الجوهر؟ هل بينهما فرق في المعنى؟ فإن قال إن بينهما فرقا صعب عليه إقامة الدليل على ذلك.
وإن قال: لا فرق بينهما، قلنا: ليس معنى يقدر يقسم الجوهر ن ويقدر على قسم الجوهر سواء.
فإذا قال: بلى، قلنا: فأخبرنا عن الجوهر له قسم أم لا؟.
صفحة ٦٤