أن كان هذا المنازع لنا قد وجد هذا الفصل مفسرا وعن الأعلام مؤثرا فليرفعه إلينا حتى نقف عليه ونعرف الذي ينسب إليه، وإلا فليقبل ما قدر فعناه عن المسلمين ووجدناه في آثار المتقدمين، فإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
فصل
وربما تجرأ المنازع لنا، فقال: هذا عن قومنا لا عن أصحابنا، يضعف بذلك آثار المسلمين، ويدخل عليها الطعن والتوهين بلا حجة في أثر يوضحها ولا دلالة عن الفقهاء بشرحها فاحذورا معارضته من هذا الجهة واعلموا أن هذا معارضة المتحير في أمره المبلس من الحجة إياسا من عذره.
كما قال المتمثل:
كالثعلب المحتال لما لم ينل ... عنقود خمر قال هذا حامض
فلو خاض بحور الأصول الجمة وسما به إلى ذلك صادق الهمة لكابد أمواجا متلاطمة، وجبالا متراكمة، ثم إن وفق وأرشد وسدد وأسعد حتى يتضح فيها متأملا لمعانيها فاز وربح وأفلج بالحجة وفرح، وإلا فالخيبة والخسران، والشقوة والخذلان، أعاذنا الله وجميع عباده المسلمين من الخزي في الدنيا والعذاب المهين.
مسألة: رجع إلى كتاب ((الأكلة)). فإن قال: فهل يقدر أن يقدر أن يخلق شيئا لا أول له؟ قيل له، نافضت في سؤالك، لأن القدرة إنما هي قدرة على [45] إحداث الشيء واستئنافه وابتدائه، وقولك لا أول لأه، يناقض الابتداء والاستئناف والأولية. وإذا نافضت في سؤالك فجوابنا أن الله عز وجل على كل شيء قديد وأنك لم تسألنا عن شيء يقال فيه يقدر أو يعجز.
قال المتأمل: انظر كيف قال له: ناقضت في سؤالك ولم تقل نعم يقدر على ذك، وإنما اقتصرنا على العلة التي قلنا إنها موجبة لفساد السؤال وهى مخالفة معنى آخر السؤال لمعنى أوله لا غير ذلك، وهذا مطرد فيما كان من هذا الجنس فلا سبيل للمنازع لنا إلى رد هذه الآثار بنظره ورأيه فيما لا يعرف حقيقته، والله أعلم.
صفحة ٦٠