قال المتأمل: من كتاب ((الأكلة)): ثم ليس من لم يوصف بالقدرة على الشيء يوصف بالعجز عنه، لأنا جميعا نصف الحادث بأنه غير قادر ولا نصفه بأنه عاجز.
قال المتأمل: أحسبه يعنى بالحادث العرض يريد أنه لا يوصف بالقدرة وليس في ذلك إيجاب الوصف له العجز، كما أن لم يوصف الجماد بالعلم وليس في ذلك إيجاب وصفه بالجهل، ولو كان كل من لم يوصف بصفة لزم أن يوصف للزم أن نصف النخلة بالجهل حيث لم نصفها بالعلم.
فإن قال قائل: أليس قلتم أن من صفة الضدين أن يكون في ارتفاع أحدهما وجوب الآخر؟
فلنا له: بلى، ولكن لذلك شرط جهلته ومعنى أغفلته وهو أن ذلك إنما هو فيما يتصف بهما، فأما لا يتصف بهما فلا يجب ذلك، وقد تقدم ذكر ذلك في باب رتب الجواهر والأعراض ما أرجو أن فيه كفاية لمن كان له بصر وهداية.
فإن قال: هذا يلزمكم ومعناه راجع عليكم إذ الله موصوف بالقدر على كل شيء، وأنتم فلم تصفوه بالقدرة على قسم الجوهر وجمع والأضداد فلزمكم الوصف له بالعجز. قلنا ليس الأمر ما ذهبتم معانيه وذلك إنا مقرون بأن الله على كل شيء قدير، ولا يعجز شيء، وإنما قلنا إنه لا يوصف بالقدرة على قسم الجوهر من قبل أن قسم الجوهر ليس بشيء والله تعالى إنما يوصف بالقدرة على شيء.
ثم إن بين قول القائل، لا يقدر على ذلك وبين قوله لا يوصف بالقدرة على ذلك، فرق بين لأنه إذا قال لا يقدر، فقد أخبر بأنه يعجز. فإذا قال لا يوصف بذلك مع إقراره بأنه قادر على كل شيء فقد نفى أن يكون ذلك [46] المذكور من جنس المقدورات، فلذلك لم يلزمنا ما قلتم، وإنما كان يلزمنا ذلك لو كان هذا المذكور تتعلق به قدرة ما، يتكون من قصرت قدرته عنه من حيث هو مقدور كان عاجزا، وسيأتي زيادة الكشف والإيضاح فيما بعد من الكتاب إن شاء الله.
الباب العشرون
باب بيان المسألة الجوهرية وإيضاح استحالتها
صفحة ٦١