وقوله: وكذلك الجواب عن قولهم، يقدر يجعلنا قياما وقعودا في حال واحدة وأن يجمع المتضادات فهذه هي اجتماع الأضداد التي قال المنازع لنا: إنه يقال للسائل عنها نعم يقدر أن يجمع الأضداد، وأنكر علينا الحكم فيها بالفساد والاستحالة. والذي احسب أن هذا المنازع لم يقل ذلك بأثر وجده ولا عن أحد أسنده، وإنما قال لعله على سبيل الغلط في النظر. وقد كنت كتبت إليه أسأله عن جواب مسألة ((البيضة)) ومسألة ((جمع الأضداد)) بالشرط المقدم فيها على الحكاية إن سأل سائل فقال كذا وكذا، وأن هذا السؤال على غير الحكاية يسع أم يسع؟ فبلغني أنه ومن حضر من جلسائه عظم ذلك في نفوسهم واستبشعوه وكبر عندهم فنادوا بع في النوادي [44] وشيعوه على معنى الأفكار له والنقد على الحاكي لمعانيه. ولعل هذا إغفال وقع منهم على وجه الحكاية لتراكم الكدورات المحلية بالخواطر إلى مواقع النكاية، ثم مع ذلك أضرب عن الجواب ولم يكتب بخطأ ولا صواب، غير ما قلنا إنا وجدناه مقيدا عنه في بعض المسائل الموضوعة عليه، وهذا الأثر قاض بيننا وبينه عند الإنصاف فيما وقع بيننا وبينه فيها من التنازع والاختلاف.
فإن كان قال ذلك بنظر فقد وجدنا أنه إذا تعارض الأثر والنظر كان الحكم للأثر وسقط اعتبار النظر. فهذا فيما يخرج مخرج الرأي، فيكف في هذا الذي أخاف أن يكون من الدين الذي لا يحتمل فيه الخلاف، ولا يجوز فيه الرأي. فكان يجب عليه إذا لم يعرف هذا المسألة أن يقف عن الجواب فيها، فكان الوقوف عما لا يعلم أولى بالمرء وأسلم من القول بما لا علم عنده. ونحن ما تجرأنا على الكلام في هذه المسائل إلا بعد الخوض فيها والتأمل لمعانيها ووجودها في آثار المسلمين والله يهدى من شاء إلى صراط مستقيم.
صفحة ٥٩