مسألة: ومن ذلك ما وجدناه في كتاب ((الأكلة (2) وحقائق الأدلة)) الذي ألفه القاضي أبو محمد نجاد بن موسى (3) إن سأل سائل فقال، أخرونا أيقدر البارئ أن يخلق نفسه؟ قيل له جوابك ينقض بعضه بعضا؛ لأنك بقولك ((أيقدر أن يخلق)) قد ثبت المقدور مخلوقا، وبقولك ((نفسه)) فد أوجبت أنه قديم، لأن نفسه لم تزل كائنة لا إلى أول، فكأنك قلت: يقدر أن يكون الشيء مخلوقا لم يكون كان وهو لم يزل كائنا.
قال المتأمل: انظر كيف استدل على فساده وانتقاضه من حيث إن أوله مخالف لآخره. ألا تراه يقول، لأنك بقولك أيقدر أن يخلق؟ قد ثبت المقدور مخلوقا أي قد دل به على سؤال عن القدرة على مخلوق؛ لأنه متى قال ((يقدر أن يخلق)) وجب عليه في إتمام فائدة لفظه أن يأتي بشيء يخلق ليعلم أنه يقدر على ذلك أم لا.
أما قوله، وبقولك نفسه قد أوجبت أنه قديم؛ لأن نفسه لم تزل كائنة لا إلى أول، أي أنه أوصل كلامه بما لا يطابقه بل يخالفه وهذه هي العلة التي قلنا إنها هي التي أوجبت فساد [42] السؤال
الأول، وهي مخالفة معنى آخر السؤال لمعنى أوله ومنافاته لا غير ذلك وذلك أن قوله ((يقدر يخلق)) كلام يقتضي إيجاد معدوم قبل أن يخلق.
وقوله ((نفسه)) فدل علي موجود والموجود مستغنى عن الإيجاد، فكأنه قال يقدر يوجد موجودا في حال وجوده فبطل ذلك.
مسالة: من كتاب ((الأكلة)) فإن قال، أيقدر أن يخلق مثله؟ قيل له: ناقضت في سؤالك؛ لأنك إذا قلت يقدر أن يخلق فقد أوجبت أن المقدور لا يمنع أن يكون مخلوقا، وبقولك ((مثله)) قد أوجبت قديما؛ لأن مثل القديم لا يكون إلا قديما، فكأنك قلت ((يقدر أن يكون المخلوق لا مخلوقا)) وقد بينا فساد ذلك آنفا.
قال المتأمل: انظر كيف اقتصر في الدليل على فساده بتناقضه ومخالفة أوله لآخر على ما بينا وهو الحق، وبالله التوفيق.
صفحة ٥٦