مسألة من الكتاب: فإن قال، أيقدر أن يجعل الدنيا في بيضة والدنيا على ما هي عليه من العظم والبيضة على ما هي عليه من الصغر؟ قيل له: نقضت في سؤالك لأنك بقولك يقدر أن يجعل الدنيا في بيضة قد دللت به على أن الدنيا أصغر من البيضة والبيضة أوسع منها، يقوله ((والبيضة على ما هي عليه)) قد أوجبت أن الدنيا أوسع فكأنك قلت: يقدر يجعل البيضة واسعة في حال.
فجوابنا: أنه على شيء قدير وأنك لم تسألنا عن شيء يقدر عليه، وإنما نقضت ببعض كلامك بعضا، وكذلك الجواب عن قولهم يقدر يجعلنا قياما قعودا في حال وأن يجمع المتضادات.
قال المتأمل: انظر كيف قال إن الجواب في السؤال عن القدرة على جمع الأضداد أنه فاسد وأنه نفض أوله بآخره ولم نقل نعم يقدر على ذلك.
وانظروا معاشر مسلمين إلى أجوبة العلماء بالتوحيد ومقالات الفقهاء المنافسين في مدائح الله المجيد. كيف لم تستزلهم وساوس الشيطان المريد في مثل هذا الموقف الخطر الشديد عن تصفح معاني الألفاظ الموضوعة التي جعلها البارئ سبحانه دليلا على الإرادات وإعلاما على المقاصد والإرشادات، وقضى عليها بالثبوت غاية الأبد لا تستحيل موضوعاتها [43] إلى حد، ولا إلى أمد، فلم يلتفتوا إلى خوف ما يدخل على الضعفاء عند الوقوف عن الحكم بالقدرة على المحال عند تحققهم أن في القول بالقدرة عليه فساد الحكم المستفادة من معاني الألفاظ، وأن فساد معاني الألفاظ التي جعلها الله دالة على الإرادات هجر من الكلام وفحش من القول في الأحكام. فأولئك الذي تغلغلوا على الدقائق واطمأنت أنفسهم إلى الحقائق، فقلوبهم ترعى بأرض الاعتبار وترد مشارع التدبر والأفكار، فمهجهم تترقرق، وأنوار خواطرهم مضيئة تتألق، أنار الله قلوبنا بحكمته ومن علينا بمجاورتهم في جنته إنه واسع المنة والرحمة.
صفحة ٥٧