فالجواب: أنا أنكرنا ذلك من قبل أن ليس في الجواب ما يدل على ما ذكرت. وإنما تؤخذ المعاني من الألفاظ والإشارات الدالة عليها والقرائن المتصلة بها. وليس في هذا الجواب إشارة ولا قرينة تدل إلا على ما فلناه، ولو كان ذلك كذلك لكان يجب الاقتصار في الجواب على أن هذا السؤال محال، لأن في جوازه وصحته تجويز مثل الله تعالى، فلما لم يقل لم نقل ذلك ولا أشار إليه، علمنا أن العلة ما قلناه.
الدليل على ذلك أنه قال ((لأنه)) كأنه قال: يقدر يخلق من لم يزل وهذا محال لأن الله لم يزل، والذي يكون مخلوقا محدثا ولا يشبه المحدث بمن لم يزل، ولا المخلوق بالخالق، وهذا السؤال فاسد، وانظر كيف أفسده من قبل اختلاف معنى أوله ومعنى آخر. على أن السؤال نفسه أو [41] أسقط منه لفظ ((مثله)) وجعل موضعه ((غيره)) مثل أن يقول: يقدر أن يحلق شيئا لم يزل أو شيئا لا أول لحدوثه، أو قادرا لا يعجزه شيء، لم يكن بد من الحكم عليه بالمحال، فيكون ذلك نقضا لمن ادعى أن العلة تجويز المثل أو تصحيح السؤال ونفض لعلة السؤال الأول، حيث قال: لأن الله لم يزل والمخلوق محدث، وكذلك العلة في هذا السؤال أن المخلوق لابد له من أول والذي لا أول له لا يكون مخلوقا.
وكذلك إذا قال: يقدر يخلق قادرا لا يعجزه شيء؟ فالمخلوق مقدور عليه، والمقدور عليه عاجز، والقادر الذي لا يعجزه شيء لا يكون مخلوقا مقدورا عليه وهذه صفة القدير وهو الله الواحد القهار المتعالي عن صفة فاسدة.
مسألة: ثم لو اعتبرنا موضوع القدرة واقتضائها وحقيقة هذا اللفظ أنه شيء أو لا شيء لتبين التنافي غير أنا سنبين وجه ذلك في المسألة الجوهرية إن شاء الله وبه التوفيق.
صفحة ٥٥