الدليل على ذلك: أنه لما قال: هل يقدر؟ وجب عليه أن يذكر شيئا موجودا فتقتصي القدرة إعدامه، أو يذكر شيئا معدوما فتقتضي القدرة إيجاده. فلما قال: ((يخلق)) دل به على أنه يسأل عن إيجاد معدوم ممكن وجوده في القدرة ليصح [40] السؤال عن قدرته، أن قدرته نافذة في ذلك أم قاصرة عنه موجبة لعجزه؛ لأن العاجز لا يحكم عليه بالعجز إلا إذا أعجزه شيء يقدر عليه، ولا يحكم له القدرة إلا إذا كان قادرا على شيء، وأما أن يحكم له القدرة على غير شيء فهذا عبث من القول وخروج عن الحكمة، ثم إن وصف به البارئ كان دخولا في الخطأ، وأخاف أن يكون إيجادا إلا ممن وصف الله تعالى بالقدرة على غير شيء، فأخاف أن يكون قد عجز الله، تعالى عن الغلبة والعجز علوا كبيرا!!
فلما أن قال: ((مثل)) وجب أن يضيف هذه الكلمة لأن ((مثل)) كلمة نكرة ولا تقع في الكلام إلا مضافة، فلو جردت عن الإضافة في اللفظ لنقضت الإضافة في المعنى، ولا نحب أن يكون إضافتها إلا إلى ماله مثل، لأن المثل لا يكون إلا لشيء له مثل. فلما أن أضافها إلى ما لا مثل له، انتقض السؤال وفسد واختلف معنى الكلام في موضعه فاستحال، فهذه هي العلة الموجبة لفساد هذا السؤال. فيجب أن يحكم على كل سؤال وجدت فيه هذه العلة بالفساد والاستحالة، فمن ادعى غير ذلك فعليه إقامة الدليل. والله التوفيق.
مسألة: فإن قال قائل: ما تنكر أن يكون فساد هذا السؤال واستحالته من قبل أن صحته وجوازه موجب لإمكان مثل الله تعالى وهذا صائر إلى الشرك لا ما ذهنت إليه.
صفحة ٥٤