من تفسير كلام أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب رحمهما الله قال المتأمل: وأما قول الشيخ أبي المنذر بشير بن محمد بن محبوب رحمه الله: والله أعلم بعدد أجزاء الخلق كلها وقادر على تفريق ما جمع منها حتى لا يبقى اجتماع فيها، وكذلك جمع متفرقها. وفي ذلك إثبات الجزء الذي لا يتجزأ منها وصحة النهاية فيها، فتأملوه، فإن فيه معنيين مبينين وفصلين مبرهنين هما أو ضح دليل اعتدناه وأشد سبيل قصدناه.
مسألة: فأما قوله: الله عالم بعدد أجزاء الخلق كلها فقد به على معنيين: أحدهما أن للخلق أجزاء وهى جواهر التي خلقها الله تعالى، لا من شيء بل ابتدأها مبتدعا، كون مخترعا فجعلها أصل الخطوط والسطوح والأجسام مع ما قام بها من الحوادث التي قلنا إنها الأعراض اللازمة على التعاقب لها من الاجتماع والافتراق والحركات والسكون وما أشبه ذلك مما اختلفت به تراكيبها، وتصنفت به أجناسها وتراتيبها والثاني أن هذه الأجزاء التي هي أصل كل محدث متحيز متناهية محدودة محصاه معدودة، لها غاية في العد، و نهاية في الأمد ن فهي في حال افتراقها مفترقة محدودة، وفي حال اجتماعها مجتمعة معدودة. حال [35] أن يكون أجزاء كل مجتمع منها أكثر مما هي، وقد بينا ذلك فيما مضى من بيان الجزء الذي لا يتجزأ، والله أعلم بغاية أمدها، محص لعدها في حال اجتماعها وافتراقها، لا سبيل لإمكان الزيادة في كميتها، ولا احتمال لذلك في كيفيتها. إذ لو صح إيقاع القدرة على قسم جزء منها لاقتضى ذلك إمكان تجزئه كل جزء منها، وإمكان التجزؤ فيه منها قادح في علم عددها؛ فإن القدرة على قسم كل جزء منها لا إلى نهاية موجب لاستحالة التحديد منها وبالعلم بحدها، وهذا راجع إلى بطلان الحقائق وتجهيل للعليم بالخلائق، هذا خروج من التوحيد وإلحاد في صفة المجيد (قل الله أذن لكم أم على الله تفترون. وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فصل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون) (1).
صفحة ٤٧