مسألة: وأما قوله: قادر على تفريق ما جمع منها، فقد دل به على أن القدرة على التفريق إنما يوقع على المجتمع، وكذلك القدرة على الجمع إنما يوقع على المفترق.
وإنما يعرف هذا الفصل ويفهم بمعرفة التفرق بين الاجتماع والمجتمع وإتقان الغيرية بينها، كما بينا ذلك في متقدم كلا منا، فقد قلنا إن من عرف أن الاجتماع غير المجتمع والافتراق غير المفترق، الانقسام غير المنقسم، التجزئة غير المتجزئة، وما أشبه ذلك من الجواهر والأعراض، علم أن الجوهر لا يرتفع بارتفاع العرض لا القدرة على تفريق المجتمع يمكن من رفع الاجتماع لا المجتمع، فالاجتماع هو العرض الحال في المجتمع الذي به كان المجتمع مجتمعا، وليس إذا رفع الله الاجتماع كله من المجتمع وتذهب عينه، بل تفترق مع وجودها، وكذلك انقسام الشيء وتجزئته قريب من معنى ذلك وإن اختلف اللفظ.
ألا تري أبا المنذر يقول: وقادر على تفريق ما جمع منها حتى لا يبقى اجتماع فيها ولم يقل حتى لا يبقى مجتمع منها. فبين ذلك فرق بعيد وبون شديد. وقوله: ((حتى لا يبقى اجتماع فيها)) دليل على الغاية الداخلة عليها.
صفحة ٤٨