وفي الأرض آيات فلا تكن منكرا ... وعجائب الأشياء من ملكوته ... ومنها: حديث ((يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدوا عالما أعلم من عالم المدينة)) قيل: معناه: إن العالم من أهل المدينة أعلم من غير أهلها. وفيه إشارة إلى أن للبقاع أثرا في ذلك. وفي الأرض قطع متجاورات فافهم. وقول ابن عيينة: نرى هذا العالم مالك بن أنس لا يمنع من ذلك؛ لأن مالكا كان إذ ذاك من علماء المدينة، ويؤيده قول سفيان، وقد قيل له ما قاله ابن عيينة: إنما العالم من يخشى الله تعالى، ولا نعلم أحدا أخشى لله تعالى من العمري، فتنبه.
... ومن محاسنها: قلة المظالم بها، وشذوذ المتظاهر فيها بالمنكرات بالنسبة إلى غيرها من بلاد الإسلام.
... وما أصدق القائل:
قل لمن أبصر حالا منكرة ... ورأى من دهره ما حيره
ليس بالمنكر ما أبصرته ... إن من عاش يرى ما لم يره
... قال آخر:
قل من شاهد أمرا أقلقه ... ورأى ما تستحل الفسقة
سترى من هذا الذي تنكره ... مستحبا بعد تلك الطبقة
... ومنها حديث "المدينة كالكير تنفي خبثها" قيل: معناه تصفي أهلها من الكدورات حتى يكونوا محلا للفيض الرحماني، وقيل: هو على بابه، ويكون إخراج الخبيث منها زيادة في حسرته، وهذا بعيد مما أعتقده، أو هو من باب الترهيب، فهذا اختياري، فوافق إن رضيت به، أولا فدعني. وما أحسن ما كتب به بعضهم إلى أبي الوفاء:
أيجوز أن أظمأ وماء غديركم ... عذب وفيه من الزلال رحيق؟!
ويظمني دهري وفي عتباتكم ... تلقى الرحال وتستريح النوق؟!
... فكتب إليه الجواب:
أهلا وسهلا إن أتيت ومرحبا ... ما في حمى كرم الأحبة ضيق
لا تتأسن روح من أحببته ... فعلى الأحبة للمحب حقوق
... وما أحسن ما قال:
وبعد ذاك الجفا إن جئت معتذرا ... إلى حمانا تجد عفوا وغفرانا
صفحة ٢٩