ومن رياضة النفس مما هو(1) فرع للأصلين الذين أثبتناهما وذكرناهما لك وفسرناهما ذكرها(2) للموت والفناء، وخروجها مما تميل إليه من لذات الدنيا، وانتقالها من دار سرورها ورخائها، إلى دار فنائها وبلائها، وما يكون من تمزق بدنها في الثرى، ثم ما يكون من بعده من الحسرة في يوم الدين، والمحاسبة لها من رب العالمين.
ومن رياضتها تذكرها لأهوال(3) الوقوف في يوم الحشر، وما في كتاب الله من وصف حال يوم النشر(4).
فهذا وما كان متفرعا من الأصلين فهو رياضة النفس وتوقيفها، وردها إلى الحق وتعريفها.
وأصل ذلك كله وفرعه، والذي هو عون لصاحبه على نفسه؛ فهو إخلاص النية إلى ربه، والإستعانة به على نفسه، فإن من خلصت له نيته، وصلحت له علانيته؛ أصلح الله له سريرته، وقواه على إرادته، بالتوفيق والتسديد، والمعونة والتأييد؛ لأنه إذا كان منه ما ذكرنا من إخلاص النية والإرادة، والإقبال إلى الله والتوبة؛ فقد اهتدى، وإذا اهتدى فقد قبله الله سبحانه فزاده هدى، ومن زاده هدى، فقد وجب له الحياطة، في كل معنى، ومن حاطه الله وهداه فقد أعانه على طاعته وتقواه.
[متى يعلم العبد اجتهاده في رضاء الله]
وسالت فقلت: متى يعلم العبد أنه مجتهد في رضاء ربه؟
فالجواب أنه لا يعلم بحقيقة العلم أنه مجتهد لله فيما يرضيه، حتى يعلم أنه أبدا لا يعصيه، فإذا وثق من نفسه، أنه لا يأتي لله معصية، ولا يترك له فريضة؛ فعند علمه بذلك من نفسه؛ يعلم أنه مجتهد في رضى ربه، فعلمه باجتهاده ورضى ربه(5)، تابع لعلمه بالإئتمار بأمره، والإنتهاء عن نهيه، وعلى قدر ما يكون الإئتمار من العبد بأمره، والإنتهاء عن نهيه، يكون الإجتهاد منه في رضى خالقه.
[متى يعلم العبد استحقاقه للجنة]
صفحة ٧٤٤