وسالت فقلت: متى يعلم العبد أنه صادق عند ربه.
والجواب(1) في ذلك أنه إذا علم من نفسه أنه مطيع له غير عاص، صادق غير كاذب، وقائم بحجته غير مقصر، ومؤمن لنفسه من عقوبة ربه؛ بما يكون منه من طاعة خالقه، وترك جميع ما يسخط سيده، فهو إذا أيقن من نفسه بذلك صادق عند ربه، مقبول ما يكون من عمله، محمود في كل فعله.
[لقاح العقل]
وسالت(2) عن لقاح العقل.
ولقاح العقل فهو التجربة؛ لأن كل شيء يحتاج إلى العقل، والعقل محتاج إلى التجربة ومضطر إليها، غير مستغن عنها.
[رياضة النفس]
وسالت عن رياضة النفس ما هي؟ وكيف هي تكون؟
واعلم رحمك الله ووفقك، وهداك للرشد وسددك، أن رياضة النفس على صنوف، يجمع الصنوف المختلفة أصل واحد تكون فيه مؤتلفة، وهو: ترغيبها فيما أعد الله للمتقين، وجعل سبحانه في الآخرة من الثواب للمؤمنين، وحكم به من الفوز لأوليائه الصالحين، والترهيب لها بما أعد الله للعاصين؛ من العذاب المهين، وشراب الحميم، وطعام الزقوم،، وما أشبه ذلك من ألوان العذاب المقيم.
فهذا أصل رياضة النفس.
ومن فروع ذلك ما روي عن بعض الصالحين أنه كان يرهب نفسه بما يشبهه(3) بعذاب رب العالمين؛ من أنه كان ربما لذع نفسه بالنار إذا طمعت، أو همت بالمعصية أو طغت، فإذا وجدت حرقة النار، قال: هذا جزعك من النار الصغيرة، فكيف تدعينني إلى ما يدخلني وإياك النار الكبيرة.
ومن رياضة النفس ما ذكر عن بعض الصالحين من أنه كان يخلو،ثم يخاصم نفسه بأرفع ما يكون من الصوت، كما يخاصم الخصم خصمه، ويحاور الضد ضده؛ فيقول: فعلت بي كذا وكذا، وفعلت بي كذا وكذا، وهذا هلكتي وهلكتك، وتلفي وتلفك، فلا يزال كذلك حتى تنكسر له نفسه، وتراجع له.
صفحة ٧٤٣