وأحسن ما أرى والله أعلم وأحكم في تأويل قوله سبحانه: {والنجم والشجر يسجدان}[الرحمن: 6]، أنه أراد بقوله: يسجدان ومعنى يسجدان؛ فهو لما فيهما من التدبير، وأثرالصنع والتقدير؛ لله الواحد القدير. فإذا رأى المعتبرون المؤمنون ما فيهما من جليل صنع الله، وعظيم(1) جعله لهما، وما سخرهما له وجعلهما عليه، من جولان النجم في الأفلاك، تارة مصعدا وتارة منحدرا، وتارة طالعا وتارة آفلا، تقديرا من العزيز العليم لما أراد من الدلالة على الدهور والأزمان، والدلالة على عدد الشهور والسنين والأيام للإنسان، فإذا رأى ذلك كله مسلم تقي، أو معتبر مهتد؛ سجد له بالمعرفة والإيقان، واستدل عليه سبحانه بذلك الصنع في كل شأن؛ فعبده عبادة عارف مقر، عالم غير منكر، فسجد له متذللا عارفا، مستدلا عليه سبحانه بما أبصر من الدلائل في النجوم عليه.
وكذلك حال الشجر وما فيه من عجائب الصنع والتدبير، وما ركبه الله سبحانه عليه من التقدير، في ألوان ثمارها وطعومها، واختلاف ألوانها، وهي تسقى بماء واحد وتكون في أرض واحدة، كما قال الله سبحانه: {وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون}[الرعد: 4] فكل ذلك من اختلافها، دليل على قدرة جاعلها، ووحدانية فاطرها.
فهذا أحسن المعاني عندي والله أعلم وأحكم في (يسجدان)، أنه يسجد من أثر الصنع فيهما، وأثر القدرة في تقديرهما؛ كل مؤمن عارف بالله، مقر بصنع الله وحكمته، ويستدل(2) عليه بأثر قدرته.
فافهم مابه قلنا في قوله يسجدان، وتفكر فيما شرحنا وميز قولنا؛ يبن لك فيه الصواب، ويزح عنك فيه الشك والإرتياب.
[متى يعلم العبد أنه صادق عند ربه]
صفحة ٧٤٢