(والجواب الثاني) أن أبا حنيفة وإن رجع عن بعض أقواله فرجوع الشافعي رحمه الله عن أقواله القديمة أضعاف أضعاف ذلك وكذلك فعل ذلك غيره وهو دليل على ديانتهم وورعهم وإيثارهم الحق رضوان الله عليهم أجمعين*
(والجواب الثالث) أن الرجوع في المذهب والقول لا يتعلق به غرض دنيوي بوجه من الوجوه بل يتعلق به نقص في الأمور الدنيوية فكيف يذكر هذا على وجه الذم والقدح فيه*
(وأما قوله) حاكيا عن وكيع بن الجراح أنه قال قال سفيان الثوري نحن مؤمنون ولا ندري ما حالنا عند الله تعالى قال وكيع وقال أبو حنيفة من قال بقول سفيان فهو شاك في إيمانه نحن المؤمنون هنا وعند الله تعالى قال وكيع ونحن نقول بقول سفيان وقول أبي حنيفة جرأة على الله* فالجواب عنه من وجوه أربعة*
(أحدها) إن أراد الخطيب به أن يذم أبا حنيفة فمدحه وحكى ما ظهر الفرق بينه وبين غيره في معرفته بالله تعالى وصفاته وتبحره في علم الكلام*
(والجواب الثاني) أن هذه المسئلة من علم الكلام ولكن ذلك لا يخفى على العلماء وإنما يروج كلام الخطيب على الجهال الذين ما لهم حظ من العلم غير رواية ألفاظ الحديث*
(والجواب الثالث) أن الشك في الإيمان شك في أصل الدين دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم أنه حق أم باطل وقوله عليه السلام لحارثة كيف أصبحت قال أصبحت مؤمنا حقا* حجة على من يثبت الشك في الإيمان* وقد حكى عن سفيان أنه كان يقول أنا مؤمن إن شاء الله إلى أن يبلغه قول أبي حنيفة عن قوله وكذا معظم مسائل سفيان مستفادة من أبي حنيفة*
صفحة ٥٦