(وأما) قوله عفا الله عنه فيما حكي عن ابن عياش أن أبا حنيفة رحمه الله ما ضرب على القضاء وإنما ضرب على أن يكون عريفا على الخزازين*
(فالجواب عنه) من وجوه ثلاثة (أحدها) أن الخطيب أراد أن يفضح الإمام فما فضح إلا نفسه إذ المعروف المشهور الذي بلغ قريبا من حد التواتر أن أبا حنيفة ضرب على القضاء وقد رواه الخطيب بنفسه وحكاه عن جماعة فكيف يمكن إنكاره بل كل من رأى هذا من الخطيب يقضي العجب من غلبة الهوى وقلة الحياء عليه*
(والجواب الثاني) أن الخطيب ذكر في مواضع من كتابه طعنا في ابن عياش وقال كان كثير الغلط وحكاه عن أبي نعيم ويحيى بن معين فليت شعري ما الذي جرحه ثمه وعدله هنا وأقل درجات العاقل أن لا يناقض في كلامه*
(والجواب الثالث) أن امتناع الإمام عن أن يكون عريفا وأمر ملوك بني مروان إياه لمحبته آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدل على نقص أبي حنيفة بل يدل على قبح ظلم ظالمه كيف وقد حكى الخطيب بنفسه أن ابن هبيرة ضرب أبا حنيفة على القضاء*
(وأما قوله) بأنه عمل بالأخبار ثم رجع عنها*
(فالجواب عنه) من وجوه ثلاثة (أحدها) أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل وإذ لاح له أن تلك الأخبار منسوخة أو مأولة أو مرجوحة أو مخالفة لكتاب الله تعالى يجب الرجوع عنها ولا يجوز الفتوى عليها إصرارا على الباطل ومحاماة على الرياسة والجاه فقد أراد الخطيب أن يذمه ووصفه بالورع والديانة وعدم الإصرار على الباطل*
صفحة ٥٥