فإن قلت: خلقه في نفسه أحلت؛ لأن نفسه ليست بمحل للحوادث ولا للمخلوقات.
وإن قلت: خلقه لا في نفسه /65/ ولا في غيره أحلت؛ لأن الصفة لا تقوم بنفسها، والقرآن صفة.
وإن قلت: خلقه في غيره لم يجز أن يكون متكلما بكلامه غيره، ولا يكون كلام غيره هو كلامه، فكان قوله لشيء مخلوق: "كن مخلوقا" بقول ثان: "كن"، والثاني بالثالث، والثالث بالرابع، وذلك ما لا نهاية له.
وأيضا: قد اتفقنا أن أسماء الله التي تصفونه بها أسماء ذاتية في القرآن، والأسماء الذاتية لا تجوز عندنا وعندكم أن تكون مخلوقة، فلما كانت صفات الله الذاتية غير مخلوقة، وهي في القرآن، كان القرآن غير مخلوق، إلا أن يقولوا: إن أسماءه وصفاته الذاتية مخلوقة وهي ثابتة معه، فقد جعلتم معه غيره مخلوقا، وقد سميتموه ذاتيا، وفي هذا فساد.
وإن قال: إن أسماءه غيره، وهي محدثة مخلوقة، فسد قوله: إنها أسماء ذاتية؛ لأن صفات الله التي لذاته غير مخلوقة، ولا تكون ذاتية مخلوقة، ولو كان كذلك كان الله في قياد قولهم مخلوقا.
فإن قال: أتقولون: إنه هو الصفات؟
قيل له: إن كنت تعني أن الصفات كلام الناس: الله، والرحمن، والقادر، والعالم، والمتكلم، والسميع، والبصير، فكلام الناس وألفاظهم بذلك محدثة.
وإن أردت أن الأسماء أنه اسم أو صفة فتعالى الله، ولكن صفاته له، كما قال: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، والموصوف بهذه الصفات لم يزل هو الله الرحمن الرحيم، العالم القادر الحي، الخالق البارئ، السميع البصير المتكلم، الملك الجبار الغني، فهذه صفاته لم تزل له، وأسماؤه له؛ لأن الله لم يزل هو العالم الرحمن الرحيم، لا أن معه شيء غيره، بل هو الله الواحد القهار.
صفحة ٩٢