فإن قالوا: أفليس جائز أن يحدث الله كتابه في غيره، ولا يكون الشيء الذي قامت به الكتابة كاتبا؟
قيل لهم: إذا أحدث كتابه في غير ضرورة كان ذلك الغير كائنا باضطرار، وإن كانت الكتابة كسبا كان ذلك الغير كائنا باكتساب؛ فيجب إذا أحدث الله كلامه في غيره كان ذلك الغير متكلما بكلام الله، فلما لم يجز ذلك كان هذا دليلا على قدم الكلام.
فإن قال: فكيف يكون كلام الله تعالى؟
قيل له: كلامه ليس يكون من مخارج الكلام، ولا كلامه بلهوات ولا شفتين كالخلق -تعالى الله-، ولم يكن الكلام كلاما؛ لأنه حرف ولا أنه حروف، والكلام معروف، وهو البيان، وقد قال الله تعالى: {الرحمن * علم القرآن * خلق الإنسان * علمه البيان}.
فإن قال قائل: لم جاز لكم أن تقولوا: إن الله - عز وجل - لم يزل متكلما، وأن كلام الله غير مخلوق؟
قيل له: لأن من صفته الكلام، وصفته لم تزل له، فهو المتكلم، وكلامه غير مخلوق، وقد قال الله تعالى: {إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون}.
ولو كان قوله مخلوقا لكان الله قائلا له: "كن"، والقرآن قوله ويستحيل أن يكون قوله مقولا له؛ لأن هذا يوجب قولا ثانيا، والقول في القول الثاني وفي تعلقه بقول ثالث كقوله في القول الأول، وهذا يفضي إلى ما لا نهاية له، وذلك فاسد، فإذا فسد أن يكون كلامه مخلوقا.
فإن قال: القرآن مخلوق أم لم يزل؟
قيل له: قد اتفقنا أن القرآن كلام الله، وأن الله قد سماه كلامه، وقد قام الدليل أن كلام الله غير مخلوق؛ فالقرآن لا يكون مخلوقا وهو كلام الله بالاتفاق، وكلامه من صفاته التي لا تجوز عليها الأضداد، ولو كان القرآن الذي هو كلام الله مخلوقا لم يخل أن يكون خلقه في نفسه أو في غيره، أو خلقه لا في نفسه ولا في غيره، والقرآن صفة.
صفحة ٩١