وأما من قال: إن نسخ القرآن مفوض إلى الأئمة فإنهم احتجوا بأن الرسول عليه السلام كان يجتهد رأيه (¬1) في الأحكام. قالوا: فإذا كانت السنة اجتهادا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد يجوز أن ينسخ القرآن بالسنة، وإذا جاز نسخ القرآن بالسنة من طريق الأحكام، وتفويض الأحكام إلى الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: فجائز للإمام بعده الذي نص عليه أن يجتهد فيما فوض (¬2) إليه فالحجة عليهم غير قليل، من ذلك قول الله جل ذكره: { قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل: ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي } (¬3) وقوله عز وجل: { وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى } (¬4) وأما من زعم أن الله جل ذكره وتعالى علوا كبيرا لا يعلم الشيء حتى يكون، فأجاز بذلك البداء على الله، كما أجاز غيره النسخ على أخبار الله وصفاته؛ فالحجة عليه قول الله جل ذكره: { ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا: يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين } (¬5) ثم قال: { ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون } (¬6) فأخبر بما يقولون قبل أن يقولوا، وأخبر أنهم (¬7) لو ردوا كيف كان حالهم فقد علم ما يكون من قولهم قبل أن يكون، وعلم ما لا يكون أن لو كان كيف كان يكون، ونظائر هذا كثير في هذا القرآن وغيره وبالله التوفيق.
باب في المحكم والمتشابه
... اختلف الناس في المحكم والمتشابه فقال قوم: إن المحكم هو الناسخ، والمتشابه هو المنسوخ.
? وقال قوم: إن المحكم هو الفرائض والوعد والوعيد، وأن المتشابه هو القصص والأمثال.
¬__________
(¬1) في (ج): برأيه.
(¬2) في (ج): فرض.
(¬3) يونس: 15.
(¬4) النجم: 3.
(¬5) الأنعام: 27.
(¬6) الأنعام: 28.
(¬7) في (أ): بهم.
صفحة ٢٧