قال جالينوس هذا قول يمكن أن نتناوله على معنيين كل واحد منهما حق فنفهمه إما على جميع أعضاء البدن وإما على أجزاء الرأس فقط وذلك أنه بعد ما قال أنه ينبغى أن يذهب بالرباط من الجانب الأيمن إلى الجانب الأيسر ومن الجانب الأيسر إلى الجانب الأيمن خلا رباط الرأس فإن [رباط] الرأس ينبغى أن يربط برباط يذهب على استقامة بقى عليه من الرأس أجزاء أخر متخالفة الوضع يقابل الواحد منها الآخر أحدها من خلف عند الموضع الذى نسميه باليونانية اينيون وتفسيره مكان السنور وهو الجزء المؤخر من أجزاء الرأس والأجزاء من قدام فى موضع الجبهة وهذه الأجزاء المتخالفة التى بقيت تحتاج أن تربط برباط يبتدئ من وجهين ومعنى الرباط الذى يبتدئ من وجهين هو أن نضع وسط الخرقة التى نربط بها على موضع العلة ثم نأخذ بكل واحد من النصفين إلى ناحية الموضع المخالف له وما جرى أمره من الرباط فى الرأس على هذا فإن منتهى طرفى الخرقة يكون عند الجبهة لأن موضع الجبهة يستقر فيه الشىء أكثر مما يستقر فى مؤخر الرأس فإن كان كلام ابقراط هاهنا إنما هو فى جميع أعضاء البدن قلنا إنه أراد بقوله هاهنا مواضع متخالفة المواضع التى هى فى كل واحد من الأعضاء على هذا من الحال أعنى إما الموضع الأيمن والأيسر وإما الموضع القدام والخلف فإن هذا مما ينبغى لنا أن نتوهمه 〈يتداخل〉 معها ذكره وذلك أنه ينبغى لك أن تربط المواضع التى هى فى مقدم البدن برباط تردها به إلى خلف وتربط المواضع التى هى فى مؤخر البدن برباط تردها به إلى قدام فإذا كانت الجهتان كلتاهما قد نالتهما العلة على مثال واحد بمنزلة ما يعرض فى الكسر إذا كان العظم قد اندق فأجعل الرباط يبتدئ من الوجهين كما وصفنا أنه يكون فى الرفائد التى توضع على الشكل المسمى فأسا وإن أنت زعم ربطت أمثال هذه العلل برباط يبتدئ من وجه واحد فأدر الرباط كمثل ما تدير الرباط الذى يبتدئ من وجهين وامض به حتى تنتهى إلى موضع ساكن يستقر ويبقى فيه فينقضى هناك وقد يمثل فى الموضع الساكن المستقر بوسط الرأس واكتفى هاهنا بهذا المثال الواحد يريد أن يرجع بعد قليل فيستوفى القول فى هذا الباب كله ويستقصيه فيعلمنا كيف ينبغى أن نضع طرف الرباط من آخره 〈كيما به〉 يكون جميع الرباط يبقى على حاله لا يزول فقوله إلى حيث يشبه ينبغى أن نفهمه على الأمرين كليهما أعنى على جميع ذهاب الرباط وإمعانه وعلى طرفه من آخره
قال ابقراط وأما الأعضاء التى تتحرك بمنزلة المفاصل فينبغى أن يلف عليها حيث تنقبض خرق أقل وأضمر بمنزلة ما يفعل ذلك فى موضع منثنى الركبة وحيث تمتد وتنبسط فينبغى أن يلف عليها خرق ما عراض مبسوطة بمنزلة ما يفعل ذلك فى الرحى أعنى الرضفة
قال جالينوس إن ابقراط يأمر بأن نلف على موضع منثنى الركبة وعلى المواضع الشبيهة به أقل ما يكون من الخرق وأشدها ضمورا ومعنى قوله ضمور الخرق إنما هو أن يكون الشىء قد اجتمع إلى مقدار يسير وأما الموضع الذى وضعه مخالف لوضع موضع منثنى الركبة وهو عين الركبة الذى سماه ابقراط هاهنا الرحى يعنى الرضفة فيأمرنا أن نربطه بخلاف ذلك الرباط (و)أن يكون قصدنا فى جميع الخرق ألا يكون فى شىء منها ضمور وانقباض لكن تكون ممدودة مبسوطة ما أمكن وجميع الأعضاء شبيهة بمنثنى الركبة فيما يعرض لها من الانقباض بمفاصلها وشبيهة بحال الرضفة فى انبساطها فالرضفة كما قلت فينبغى أن تبسط عليها خرقة الرباط وهى عريضة حتى تستدير حولها وتحتوى على جميعها فإن الرباط الذى لا يستدير ويحتوى على ما وصفت يزلق ويفلت عن عين الركبة بسبب تحدبها فيزول ويميل بسهولة إما إلى فوق وإما إلى أسفل وأما مأبض الركبة فينبغى أن تلف عليه الرباط بتقبض لأن هذا الموضع ليس يمكن فيه أن يربط برباط ينبسط عليه عرضا ولا إن ربط به أيضا يبقى ثابتا عليه
صفحة ٣٢