قال جالينوس أكثر ما نحتاج إلى هذه الوصية التى يوصينا بها هاهنا فى اليدين والرجلين خاصة وذلك أنه ينبغى لنا أبدا أن نرد الجانب الذى فيه القرحة أو الكسر من هذه الأعضاء إلى الجانب المقابل له فإذا كان الجانب الأيمن منها العليل رددناه إلى ناحية الجانب الأيسر وإن كانت العلة فى الجانب الأيسر رددناه إلى الجانب المخالف له من طريق أنه متى كان العظم قد انكسر كسرا نافذا فى بدنه كله بالعرض فاندق جعلنا الرباط يأخذه من جميع النواحى بالسواء وندير حوله الرفائد بالشكل المسمى فأسا والشىء الذى يريده بهذا القول هو هذا ينبغى أن يربط الجانب الأيمن إذا كانت به علة رباطا يرد به إلى الجانب الأيسر ويربط الجانب الأيسر برباط يرده إلى الجانب الأيمن وإنما يكون ذلك بأن نضع مبدأ الرباط أعنى طرف الخرقة عند موضع العلة ولا نضعه على نفس الكسر أو نفس القرحة بالحقيقة لكن إلى جانبه من هذه الناحية أو من هذه الناحية ثم نمسك بيد واحدة مبدأ الرباط ونرد باليد الأخرى موضع العلة إلى الجانب الآخر مع ربطنا إياه فإذا بلغ الرباط إلى الجانب المخالف لموضع العلة عند لفنا إياه على العضو لم نشده هناك ولم نغمز عليه كمثل ما فعلنا به فى موضع العلة بل نتوقى ذلك ومما نتوقاه أيضا أكثر من هذا بكثير رد ذلك الجزء من العضو وغمزه فإن ذلك مما ليس ينبغى أن نفعله حتى يعود الرباط بعد ما يستدير حول العضو كما يدور إلى مبدئه فإنا فى ذلك الوقت نضع اليد التى كنا أمسكنا بها أولا مبدأ الرباط على الجزء الذى يلقى المبدأ من الرباط ونمسكه إمساكا وثيقا حتى يكون الرباط يبتدئ من الرأس ابتداء ثانيا فيمر على الأنموذج الأول بعينه حتى نغمز على هذا الجانب فنرده إلى الجانب المخالف له على المثال الأول فإذا استوفينا إدارة الرباط فى المرة الثانية على مثل ما أدرناه فى المرة الأولى وصيرناه أيضا إلى مبدأ الرباط أمسكنا الخرقة أيضا بيد واحدة على ذلك المثال ومددناها باليد الأخرى مدا نغمز به على موضع العلة ونرده إلى الجانب المخالف له وهذا الضرب من الرباط ليس هو شىء نستعمله فى اليدين والرجلين فقط بل قد نستعمله أيضا فى الأضلاع وذلك أنه إن اتفق أن تكون الضلع التى نالتها الآفة فى الجانب الأيمن وضعنا مبدأ الرباط فى ذلك الموضع ثم ذهبنا به إلى ناحية الجانب الآخر على الأنموذج الذى وصفناه وإن كانت العلة فى الجانب الأيسر والأضلاع وضعنا طرف الرباط ومبدأه فى ذلك الموضع وجعلنا ذهابه إلى ناحية الجانب الأيمن على نحو ما وصفنا وأما الرأس فليس يمكن أن نربطه برباط يستدير حوله على هذا النحو كما يدور لأن العنق يمنع من ذلك إذ كان موصولا بالرأس فبهذا السبب متى حدثت فى هذا علة تحتاج إلى رباط فى الجانب الأيمن منه كانت أم فى الجانب الأيسر اخترنا له الرباط الذاهب على استقامة وهو الذى يكون ذهابه بحذاء موضع العلة فيمر الرباط على أعلى موضع فى الرأس ثم ننزله من ذلك الموضع إلى طرف اللحى الأسفل ثم نصعده أيضا إلى موضع العلة ثم ننزله ونصعده على ذلك المثال وإن ظننا أن نكتفى فى ذلك بمرتين أو ثلاث أدرناه إلى آخره وجعلنا منتهاه وطرفه ينقضى لا محالة فى أعلى موضع من الرأس فإن هذا الموضع كما سماه هو موضع ساكن يبقى فيه الشىء على ما نضعه غاية البقاء
قال ابقراط وأما المواضع المتخالفة فينبغى أن تربط برباط يبتدئ من وجهين فإن ربطت برباط يبتدئ من وجه واحد فليجعل إلى حيث يشبه إلى موضع باق بمنزلة موضع وسط الرأس وإن كان موضع آخر نظيرا لهذا
صفحة ٣٠