فأما الأمراض التى من شأنها أن تجاوز السابع، فمن أنفع الأمور فيها أن يتقدم الطبيب فيعلم هذا الأمر الذى يعمها كلها وهو أنها تجاوز اليوم السابع، إما فى اليوم الأول وإما فى اليوم الثانى، لا محالة، إذا أراد أن يقدر طريق الغذاء على ما أمر به أبقراط. ولا يستطيع الطبيب أن يعلم فى اليوم الأول والثانى من المرض هل يكون إقلاعه فى اليوم الرابع عشر، أو فى اليوم الأربعين، أو فى غيرها من الأيام. ولا سبيل له إلى معرفة ذلك فيهما، وإنما يعرف ذلك بعد أن يتمادى بالمريض الأيام. وليس يمكن أن يتقدم فيعلم أمر المرض الذى شأنه أن ينقضى فى اليوم الحادى عشر، قبل اليوم الثالث والرابع. وأما المرض الذى يكون انقضاؤه عند الرابع عشر، فقد يستدل عليه فى اليوم الثالث والرابع. إلا أن الدلالة الوثيقة على ذلك إنما يظفر بها فى اليوم السابع. وكذلك فإن الأمراض التى شأنها أن يكون بحرانها فى اليوم العشرين، فربما استدل على ذلك منها فى اليوم الحادى عشر. وحقيقة معرفة أمرها إنما يكون فى اليوم الرابع عشر. وكذلك المرض الذى من شأنه أن ينقضى فى اليوم السابع والعشرين، إنما يستدل على ذلك منه بالدلالة الوثيقة فى اليوم العشرين، وأما قبل ذلك، فالدلالة على ذلك منه ضعيفة خفية. وكذلك أيضا فإن انقضاء المرض الذى يكون فى اليوم الرابع والثلاثين قد يتبين أمره بعض البيان فى اليوم العشرين. ثم إنه يتبين بيانا أوكد فى الأيام التى بعد ذلك. وكذلك فإن الأمراض التى تنقضى فى يوم الأربعين، قد يتبين أمرها فى اليوم العشرين بعض البيان، ثم يظهر أمرها وينكشف فى اليوم السابع والعشرين. وكذلك الأمر فيما هو من الأمراض أطول من هذه، ليس يظهر منذ أولها حد وقت انقضائها. إلا أنه ليس يفسد علينا أمر تقدير الغذاء، من قبل أنا لا نصل إلى أن نعلم فى الأيام الأول من المرض أن شأنه أن ينقضى فى أربعين يوما. وذلك أنه يكفينا فى اليوم الأول والثانى من المرض أن نفرق بين المرض الذى ينقضى فى السابع وما دونه، وبين المرض الذى يجاوز السابع. وقد بينا ذلك فى كتب أخر، فقلنا «وينبغى للمنكر لهذا، إن كان يزعم أن تقدمة المعرفة بهذه الأشياء غير ممكنة، أن يحضر قضايانا عند المرضى ويطالبنا بصحتها حتى ينكشف له خطؤنا من صوابنا.» وإن كان مقرا بأن ذلك يمكن، إلا إنه يزعم أنه لا ينتفع به أن يتبين ذلك، وأن أبقراط لم يحسن فيما كتب فى هذا الباب. ولسنا نراهم يفعلون كذلك. لكنا متى قصدنا إلى الأعراض التى يقصد إليها فى تقدير الغذاء، فبينا أنها قوة المريض ومنتهى المرض، ثم لم يقدروا أن ينقضوا ما نأتى به من الحجج والبراهين على ذلك، قالوا إنهم إنما يدعون طلب هذه الأشياء لأنه لا سبيل إلى الوصول إلى علمها. ومتى بينا أن الوصول إلى علمها يمكن بالقضايا التى نقضى بها على المرضى بحضرتهم وصحة ما نقضى به فيهم، قالوا «إن ذلك لا ينتفع به»، وعوضونا منه بتجويعهم المرضى ثلاثة أيام. وليس هذا شيئا إلا الفرار مع موضع الفضيحة كلما وقفوا عليها.
٨
صفحة ٩٢