فقد رأيت أطباء مرة يختصمون فى علة قد اختلفوا فيها — ما هى؟ وكان ورم عظيم فى البطن كله، فقلت قبل أن أكشف بطن ذلك المريض وأجسه إن علته خراج فى العضل الذى على بطنه، وأنه ليس فى شىء من أحشائه علة. وقد كان الأطباء توهموا أن فى أحشائه دبيلة. فكانوا يغذونه بغذاء هو من اللطافة فى الغاية. فغذوته بغير ذلك الغذاء وأبرأته فى أيام قلائل. وقد كان الأطباء قبل ذلك أنهكوه بقلة معرفتهم بعلته. وربما كان اللون كافيا فى الدلالة على العلة، وربما دل عليها النبض، وربما دل عليها البول والبراز، وكثيرا ما يدل عليها اللسان. وربما احتجنا من هذه الدلالات إلى اثنتين أو إلى ثلاث أو إليها كلها معا. فليس ينبغى ممن يجهل الطب أن يقترح على طبيب استدلالا من علامة دون أخرى. ولكنه يجب أن يطلق له أن يستدل ويحكم مما شاء ومن كم شاء من العلامات إن أراد ذلك من علامة واحدة، وإن أراد من علامتين، أو أراد من ثلاث، أو من جميع العلامات. ثم يختبر ويمتحن ما يتقدم فيحكم به ويعرف حقه من باطله. وكذلك أيضا إن لم يتقدم الطبيب فيحكم بجميع الأشياء الجزئية، فلا ينبغى أن يذم على ذلك؛ ولا يحمد على الحكم بما ليس عنده منه حقيقة وبصيرة. ويقتصر على أن ينظر: هل تقدم فعلم جميع ما يحتاج إليه فى علاج المريض أم لا؟ وأريد أن أعدد هذه الأشياء وأجمعها، حتى إذا استعملها من يقصد لمحنة الأطباء كان فعله ذلك على طريق عدل وإنصاف.
فأقول إن على الطبيب أن يعرف ضرورة الأمراض التى لا تجاوز الرابع فى أول يوم منها. ولست أحصى كم من محموم، وكم من مرة رأيت من حم نوبة واحدة، فأدخلته بعد انقضائها على المكان إلى الحمام، بعض فى اليوم الأول وبعض فى اليوم الثانى. ولم أنتظر بهم الثلاثة الأيام التى من عادة كثير من الأطباء أن ينتظروها بالمرضى، من أصحاب تاسلس وغيرهم. وهم بذلك متمسكون، كأنها سنة منزلة من عند الله.
وعلى الطبيب أيضا أن يعرف المرض الذى يجاوز اليوم الرابع فى أول يوم منه. ويعلم من أمره هذا الذى وصفت، أعنى أنه يجاوز الرابع. وإذا قلت اليوم الأول أو غيره، فافهم عنى أنى أريد النهار مع الليل.
صفحة ٨٨