فإنه قد يظن فى هذا الحكم وأشباهه أن الطبيب إنما يحكم بشىء واحد. وليس هو بالحقيقة شيئا واحدا إذا تبحرته. لكنه ربما كان الشىء الذى يحكم به أشياء كثيرة مخرجها فى اللفظ مخرج شىء واحد. ومثال ذلك أن هذا الحكم الذى جعلناه مثالا فيما تقدم يشتمل على أشياء كثيرة: أولها، أن المريض يسلم من مرضه؛ والثانى، أن برأه يكون ببحران يصيبه دفعة، لا بأن ينتقص مرضه قليلا قليلا؛ والثالث، أن البحران الذى يصيبه بحران تام، فإنه قد يكون من البحران ما يميل المريض إلى الصحة ولا يبلغه إياها، فينقص من شدة المرض نقصانا كثيرا ولا يقلعه القلع التام؛ والرابع، أن البحران المحمود يكون من غير جهد وخطر، فإن من البحران ما يكون معه جهد وخطر شديد؛ والخامس، أن البحران يكون فى اليوم السابع؛ والسادس، أن البحران يكون باستفراغ أو بخراج؛ والسابع، أنه يكون بنوع كذا وكذا من الاستفراغ أو من الخراج.
وإنما ينبغى أن يختبر كل واحد من هذه الأشياء ويمتحن، ما لم يحدث على المريض حادث، إما من شىء من الأشياء التى من خارج، وإما من طبيب جاهل يفعل بالمريض ما لا يحتاج إليه، وكذلك أيضا إن أخطأ المريض على نفسه فأحدث لها بلية. فليس يلزم من قبل ذلك حكمنا الخطأ. لكنه إنما ينبغى أن يختبر ما يحكم به، ويمتحن ويتعرف صوابه من خطئه، إذا كانت جميع هذه الوجوه مستقيمة ولم يحدث من واحد منها حادث يضر.
صفحة ٧٦