ومن قبل هذا ترانا دون غيرنا لثقتنا ومعرفتنا بهذه الصناعة، ندعو المرضى إلينا على شريطة، فنضمن لهم البرء التام من مرضهم إذا كان سليما، إن أطاعوا فى جميع ما نأمرهم به. وترى غيرنا ممن هو خسيس الحال فى أعمال هذه الصناعة، عظيم الحال فى منازل ذوى اليسار. من قبل أنهم لا يقدرون على تضمن شىء صحيح للمرضى، لا يلتمسون منهم الطاعة لهم والانقياد. لكنهم ينزلون أنفسهم من المرضى بمنزلة العبيد لهم، ويطيعونهم ويساعدونهم على شهواتهم. ولا يقصدون بهم قصد ما هو أوفق وأنفع لهم، إذ كانوا يجهلونه ولا يعرفونه. ويبتغون بهم ألذ الأشياء عندهم، عند كل واحدة من أحوالهم، ويبلغون من العبودية لهم إلى غايتها. وهم فى ذلك عبيد سوء لا تنفع خدمتهم، بل تضر.
وقد يمكنك تعرف صحة ما ذكرت لك من أن «المصيب فى تقدمة المعرفة ليس هو غير المصيب فى العلاج.» ولكنه يحتاج فى صحة ما يتقدم بمعرفته كما قال أبقراط «ألا يقتصر الطبيب على توخى فعل ما ينبغى، دون أن يكون ما يفعله المريض، ومن يحضره ، والأشياء التى من خارج.» ويحتاج فى وجود بعض ما ينتفع به من العلاج إلى أن يتقدم فيعلم، كما قال أبقراط «ميل الطبيعة إلى أى النواحى هو» مما قد ترانا نفعله دائما. فإنه ليس هذا موضع تفسير ما ذكره أبقراط وشرحه وتبيينه، فقد فعلت ذلك فى غير هذا الكتاب. ولعل قائلا يقول، كما قد يقول كثير من الأطباء، إن الأشياء التى يصفها أبقراط عجيبة، إلا أنه لا يمكن أن تفعل. فأنا لذلك ذاكر لهم قليلا من كثير مما قد رأونا فعلناه، ليكون مثالا يستدل به على انه لا يمكن أحد أن يعالج المرضى علاجا مستقيما، دون أن يتقدم فيعلم الأشياء الحاضرة والسالفة والمستأنفة، على ما قال الحكيم أبقراط. وعلى أنه ليس شىء مما وصفه أبقراط إلا وقد يمكن أن يصل إليه الطبيب الكامل. وليست بى حاجة إلى ذكر شىء مما قد تقادم عهده. وأنا أصف أمر مريض عالجته قريبا.
٦
صفحة ٧٨