============================================================
ينظر إليك. انظري كيف أهلك من كان قبلك من الأغنياء والملوك. اذكري مصارع من تقدم، الذين ملكوا هذه الدنيا وتمتعوا بنعيمها، ثم سلبت من آيديهم وسلبوا منها، وهم الآن مأسورون في سجن العذاب، قصورهم خاوية، وبيوتهم خربة، وأموالهم ذاهبة وأعمالهم باقية، ذهبت الشهوات وبقيت التبعات.
لا تفرح ما نحن في وقت الفرح، ولا يعجبك حسن وجه زوجتك وولدك ودارك وكثرة مالك. لا تفرح بما لم يفرح به من تقدم من الأنبياء والمرسلين والصالحين.
(53/ ب] قال عز من قائل: {إن / الله لا يحب الفرحين) [سورة القصص 76/28] أي بالدنيا وأهلها وبما سواه، ويحب الفرحين به وبقربه، وسوسة (4) القوم وتفكرهم فيما يريدون أن يكون من أمور الآخرة، لا في الشهوات واللذات والترهات.
يا مهوس، ما عندك خير مما يريد أن يكون منك. يا غافلين، في الآخرة عذاب شديد لمن لم يعمل بطاعة الله عز وجل. إذا استقام قلب العبد، ودع الكل، وتركه وراء ظهر قلبه، يهون عليه هلاك الدنيا لملك الآخرة، يقدم على النار والسباع، ويخالط الوحوش ويهرب من الخلق، يسلم نفسه الى عطش البراري وجوعها وهلاكها، ويقول: يا دليل الحيارى دلني إليك. اللهم اجعل الهم هما واحدا، وهذا لا يتم إلا بعد الزهد في الحرام، ثم الزهد في المباح، ثم الزهد في الحلال (1/54] المطلق. / اجتهد أن تمسي وتصبح وليس في قلبك ذرة من الخلق. إني أراك مليئا بالشهوات واللذات، والخلق، والدنيا، والاعتماد على الأسباب، فلم تتكلم في احوال الصالحين وتدعيها حالا لك؟! تخبرنا بحال غيرك وتنفق علينا من كيس غيرك! تطالع الدفاتر وتستخرج منها كلامهم وتتكلم به وتوهم السامعين أن هذا من خاطرك وقوة حالك ونطق قلبك؟ . ويلك: اعمل بما قالوا أولا، ثم تكلم به يكون كلامك فرخ عملك، وثمرة شجرة عملك. ما يجيء هذا الأمر بمجرد رؤية الصالحين والتحفظ لكلامهم؛ بل بالعمل بما يقولون وحسن الأدب في صحبتهم، (4) السوس: الطبع والخلق والسجية.
صفحة ٦٨