============================================================
وبعد " أو أدنى" نزل السالك في حضرة اللوح المحفوظ.. ورأى مسطرا في ذلك اللوح مقامات أهل الريحان والروح ، وهم الموحدون: والأرجح أن ابن عربي ربط بين قوله تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} وبين عبارة " اللوح المحفوظ" من حيث تكرار معنى ولفظ الحفظ في السياقين . وحيث ان التوحيد هو جوهر القرآن والإسلام، وإن الحق عز وجل ضمن القرآن من التحريف والتبديل لذلك نرى التوحيد يظهر عند ابن عربي مسطرا في اللوح المحفوظ.. ولكن هذا التوحيد الذي يطرحه ابن عربي هنا، ليس عقيدة ونظرية كما هو عند علماء الكلام ، بل هو ممارسة وحال ومقام.: وبالتالي إنه موحد يرقى في سلم المراتب والمقامات . وحيث ان القرآن يورد ستا وثلاثين صيغة للتوحيد، ونقصد بصيغة التوحيد عبارة " لا إله إلا ، لذلك جعل ابن عربي مقامات الموحدين على سي وثلاثين صفة . كلما رفع السالك حجابا لاح له توحيد . ونرجح ان السر في ربط الحجب بالتوحيد هو أن صيغة التوحيد نفسها هي : نفي ثم إثبات، نفي لوجود إله، تهيدا لاثبات وحدانية الله.. فالله عز وجل هو الواحد القاهر فوق حجب الصفات والأسماء والأفعال .
وبعد أن عاين ابن عري مقامات الموحدين قيل له : " ايها السالك، أين هله المقامات من أولئك؟ . . ونقول لابن عربي: صدقت .. لولا مناسبة الاسم، لما كان بين مقامات الموحدين، أهل الشهود، الذين ارتفعت عن بصائرهم حجب الأغيار، وبين حال الموحدين - أهل العقائد المؤمنين بالغيب والمحجوبين بالمشهود من دنيا ونفس؛ أي نسب .
بعد " اللوح المحفوظ وقف بالسالك الفرس في حضرة الجرس، فهيت رياح عواصف، وصلصلت رعود قواصف، ارتعد لها السالك رعبا وبعد مرور الرياح، يقال للسالك: "اني أوصلك إلى مستقر قلبك، ومقر لبك"، فيجيب : "ليس له مقر، الله آريد، فإن في الربوبية يوحذ العبيد".
اختطف السالك وأفني عن ذاته ، ولم يرجع إلى البقاء بالحق إلا بعد أن وجد في قلب النفس المعنى الذي كان أمله بالأمس ، أي بعد أن تحقق بمطلوبه، وهو مقام التابع المحمدي .. الوارث المحمدي، الكامل بين الأولياء .
ونلاحظ هنا أن كل خطاب بعد ذلك يصل إلى السالك ، يتخطاه في الواقع ليكون المقصود منه صاحب هذا المقام بالأصالة أي محمدا .. فكل مناجاة
صفحة ٤٠