المسلم والسلطة
(1965م) «إن مهمة إقامة وإدارة دولة تتفق مع مبادئ الدين تضع الإسلام في معضلة من نوع خاص.»
شتيبات
إن البحث عن العوامل التي تحدد علاقة المسلم بالسلطة يستلزم منا أن ننطلق من الحقيقة التي تقول إن تأسيس الدين الإسلامي كان يعني منذ البداية تأسيس دولة.
1
وثمة دلالة بالغة العمق في حقيقة كون التوقيت (أو التأريخ) الإسلامي يبدأ بالهجرة، أي بهجرة الجماعة الإسلامية الصغيرة من مكة إلى المدينة، حيث تولى محمد، عليه الصلاة والسلام، رئاسة كيان سياسي دنيوي (يمثل أول دولة إسلامية).
وفي السنوات المكية التي بدأ الدين الجديد يتشكل فيها بالتدريج، غلبت على الرسالة المحمدية الأفكار التي تؤكد خضوع الإنسان للخالق العلي القدير واعتماده الكامل عليه، بحيث بدا العالم نفسه كأنه عديم الأهمية. ولكن بعد الهجرة أخذ النبي، عليه السلام، في الاهتمام بالعالم والسعي إلى تشكيله. ولم يكن هذا الاهتمام، بالتدخل في أمور الدنيا، مجرد استجابة لضرورة إيجاد حياة طيبة للجماعة. فقدرة الله تعالى وقضاؤه يظلان في نظر الإسلام هما المقصد والغاية الأخيرة، ولكنه يعترف كذلك بالدنيا (أو بالعالم)، ويعرف أن واجبه ومهمته هي تنظيمه وتوجيهه نحو هذه الغاية. بهذا تكون الدولة الإسلامية الأولى هي أول مؤسسة اجتماعية وأول تجسيد واقعي أو دنيوي للدين الإسلامي.
ولا نزاع في أن هذا قد خلق موقفا مختلفا اختلافا مبدئيا عما نجده، على سبيل المثال، في المسيحية التي لم ترتبط بدولة إلا بعد تأسيسها بثلاثة قرون، والمسيحي يمكنه الفصل بين الدين والدولة، وهو يستطيع أن «يدع لقيصر ما لقيصر، عندما يدع كذلك لله ما هو لله». (إنجيل متى: إصحاح 22، آية 21)، أما المسلم فلا يمكن أن يقوم بهذا الفصل. إننا نجد بطبيعة الحال في الإسلام اتجاها للهروب من العالم، والانصراف عن الدنيا الدنية، وقد تبنت هذا الاتجاه في بعض الأوقات فئات عريضة من المؤمنين بالإسلام. وليس في الإسلام جهة عليا تختص بتقرير ما يتفق مع الدين وما يخرج عليه، ولكن هناك مجالا وسطيا واسعا يمكن وصفه بأنه «سني»، لأنه استقطب مع الزمن أغلبية المسلمين. هذا الاتجاه أو المذهب السني في الإسلام يدين الهروب من العالم والانصراف عن الدنيا، وهو يفعل هذا لأسباب دينية معقولة.
والأمر الأهم هو أن للإسلام شريعة ينبغي تحقيقها أو تطبيقها في العالم. من أجل ذلك يجب تنظيم العالم وفق مبادئ الإسلام. وكل من لا يسلم بذلك يترك أرض الدين الإسلامي كما أسسه محمد، عليه الصلاة والسلام. والإمام الغزالي - في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد - يبرر ضرورة وجود السلطة بكلمات شديدة الوضوح: «إن السلطان ضروري في نظام الدنيا، ونظام الدنيا ضروري في نظام الدين، ونظام الدين ضروري في الفوز بسعادة الآخرة.»
2
صفحة غير معروفة