والملائكة يذكر ويؤنث في القرآن ، وقال الأخفش : الملائكة جمع ملك ، وحقه في الأصل ملأك بلا هاء ، ولكن الهاء تأتي لتبيين تأنيث الجمع، كقولك : المناذرة ، والكواسجة ، وكأن الملائكة هو مأخوذ من المألكة ، وهي الرسالة ؛ لأن الله أرسل الملائكة إلى الأنبياء بالرسالة ، ويكون معنى الملائكة الرسالة ، وبهذا وصفهم ، فقال الله : [ يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ] (¬2) فالله يوحي إلى الملك ، والملك يوحي إلى النبي ، ولا يقدر النبي أن يرى ملكا ، حتى يتمثل له في صورة النسر ، وقيل : إن جبريل كان يأتي رسول الله في صورة دحية الكلبي (¬3) ، وقال حكاية عن قوم [وقالوا مال هذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا] (¬1) ، فقال : [ولو أنزلنا (¬2) ملكا لقضي الأمر ثم لا ينظرون ] لأنهم لا يقدرون أن يروا الملائكة إلا في الآخرة ، فأما في الدنيا فلا يقدرون على ذلك ، وجبريل وميكائيل هما الملكان اللذان أيد بهما رسول الله صلى الله عليه ، وبهما كان يؤيد الأنبياء ، وقال ابن عباس : جبريل وميكائيل ، كما يقال عبد الله وعبد الرحمن ، قال : وهما منسوب إلى ايل ، وايل اسم من أسماء الله ، فكان ابن عباس يذهب إلى أن هذه الأسماء منسوبة إلى الله ، وكل ما / جاء على 30أ هذا فهي أسماء مضافة إليه ، مثل : إسماعيل ، وإسرافيل وعزازيل ، وعزريائيل ، وما أشبهها مضافة إلى ايل ، وهو الله ، كما قلنا عبد الله ، ورسول الله ، ونبي الله ، وخليل الله ، وإسرافيل صاحب الصور ، وقيل : إن الصور كهيئة القرن، فيه ثقب بعدد أرواح الخلائق ، كذا ذكر في الخبر ، وقال أبو عبيدة (¬1) : الصور : جمع صورة ، يذهب إلى أن الله ينشئ صور الخلائق في المعاد ، ثم ينفخ فيها ، فإذا هم قيام ينظرون ، وملك الموت هو الموكل بأرواح بني آدم ، والملائكة خلق من خلق الله روحاني ، على ما رواه العلماء ، وإنما سموا ملائكة لإرسال الله إياهم إلى الأنبياء ، على ما دلت عليه اللغة من المألكة ، وهي الرسالة ، وقال بعض أهل اللغة : سموا ملائكة لأن الله خلقهم ، ووكل كل ملك بأمر من الأمور، واستحفظه ، واسترعاه ، وجعل تدبيره إليه ، وملكه منه ، فسمي ملكا ، وفتحت اللام منه فرقا بينه وبين الملك البشري ، وقد وكل الله بالريح ملكا ، وبالشمس ملكا ، وبالقمر ملكا ، وبالمطر ملكا وبالنبات ، وملك ذلك التدبير ، وسخر له ذلك الشيء الذي وكل به ، كما قيل ملك الموت ، سمي بذلك لأن الله ملكه أرواح العباد ، والملائكة الكرام الكاتبون قد وكلوا بكتب أعمال بني آدم ، ومنهم منكر ونكير ، روي عن النبي عليه السلام / أنه قال : ( إذا وضع العبد في قبره جاءه ملكان ، 30 ب يقال لأحدهما منكر، وللآخر نكير ، فيسألانه ، فإن كان كافرا، أو منافقا ، فيقال له : ما تقول في هذا الرجل يعني محمدا فيقول : لا أدري ، وسمعت الناس يقولون شيئا قلته ، فيقال له : لا دريت ، ولا تليت ، ولا اهتديت ) (¬1) ، وقال بعض أهل المعرفة : إنما سمي الملكان منكر ونكير لما يقع من إنكار العبد عند مسائلتهما إياه فهو ينكر ما يسألانه عنه ، فسؤالهما إياه منكر عنده ، وقوله عندهما منكر ، فمنكر في معنى مفعل ، ونكير فعيل في معنى فاعل ؛ لأن الإنكار وقع من العبد عند المسائلة ؛ لإنكاره قولهما ، ومن الملكين قوله فأحدهما فعيل في معنى فاعل ، والآخر مفعل في معنى مفعول ، ويصدق هذا قوله في حديث آخر : ( هما للكافر منكر ونكير ، وللمؤمن مبشر وبشير ) (¬2) ، يعني أن العبد استبشر بما يسألانه عنه ، فيبشراه بالجنة عند المساءلة ، فأحدهما مبشر ، والآخر بشير ، ويقال لصنف من الملائكة ( كروبيين ) (¬3) ولصنف روحانيين ، والملائكة في الأصل روحانية ، ولكن لما ذكر الكروبيون ، ذكر الروحانيون ، وهو مأخوذ من الروح والكرب ، فمعناه : ملائكة الرحمة ، وملائكة العذاب ؛ لأن العبد يستروح إلى ما يورده عليه ملايكة الرحمة من الرحمة ، وإلى ما يعرفه مما له عند الله ، والكافر يجد الكرب والغم ، مما يورده عليه ملائكة العذاب ، فقيل لملائكة الرحمة روحانيون ، ولملائكة العذاب كروبيون / ويقال للملك الموكل بالنار مالك ، كأنه الذي ملك النار كلها ، 31 أووكل بعذاب أهلها ، ويقال للملك الموكل بالجنة رضوان ، وهو خازن الجنة ، فكأن الله وكله بمجازاة من رضي عنه من عباده ، فاشتق اسمه من الرضا ، والزبانية هم الموكلون بعذاب أهل النار ، واشتق اسمهم من الزبن ، والزبن الدفع ، سموا بذلك لأنهم يدفعون أهل النار في النار ، ويرمونهم فيها ، يقال : زبنه إذا دفعه ، وقال الله تعالى : [يوم يدعون إلى نار جهنم دعا] (¬1) فالدع الدفع ، وكذلك قوله : [فذلك الذي يدع اليتيم ] (¬2) أي يدفعه ، والزبن الدفع ، فسموا بذلك 0
الجن والإنس : الجن في اللغة مأخوذ من الاجتنان ، وهو التستر ، والاستخفاء ، يقال : جنين ومجنون ، أي مستور ، وقال الله تعالى : [وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ] (¬3) وسمي الجنين جنينا لاستتاره ، وقال الله تعالى : [فلما جن عليه الليل] (¬4) أي جعله في جنة من سواده ، قال لبيد : " من الكامل "
صفحة ٨٦